الاعتراف الاعتراف

       نشكرُ الله على أَنَّ المؤمنين في أيّامِنا بدأوا يُقبِلونَ على سِرّ الاعتراف. وما هذا إلاّ دليل وَعيٍ روحيّ، ونهضةٍ كنسيّة، نشكرُ الله عليها، ونرجو أن تستمرّ وتتقدّم. إلاّ أنّنا نرى من الواجبِ علينا إيضاحَ بعضِ المسائل المتعلّقة بممارَسَةِ هذا السّرّ، حرصًا منّا على ممارستِه بشكلٍ صحيح، ورغبةً في توجيه أبنائنا المؤمنين إلى ما فيه خلاصُهم وفائدتُهم.
       معلومٌ أَنَّ سِرَّ الاعتِرافِ يتمُّ بوقوفِ المؤمن التّائب أمامَ أيقونَةِ السَّيّدِ المسيح بِوُجُودِ الكاهنِ المعرِّف؛ ثُمَّ بِبَوحِ هذا المؤمن بِما اقتَرَفَهُ على مَسْمَعِ الكاهن، وتقبُّلِهِ النُّصْحَ والتَّوجيهَ منه؛ ثُمَّ بِتلاوةِ الكاهِنِ إفشينَ الحَلِّ على رأسِ المؤمن. وبكلامٍ آخَر، تكونُ هناكَ صلاةٌ تحضيريّة، يَليها الاعتراف، ثُمَّ صلاةٌ ختاميّةٌ يَنالُ فيها المعترِفُ حَلَّ خَطاياه. والسُّؤالُ هُوَ: بِمَ نعترف؟ وَما الّذي نقولُه، وَما الّذي لا نقولُهُ في سِرّ الاعتراف؟
       إِنَّ سِرَّ الاعتِرافِ يُقرأُ مِن عنوانِه. فلا يكونُ اعترافًا إِلاّ إذا تضمَّنَ إقرارًا بالذُّنُوب، مَعَ نَدَمٍ وَتصميمٍ على الرُّجُوعِ وَتصحيحِ ما كان وتصويبِ المَسار. فإذا كنتَ غيرَ شاعرٍ بِذَنبِكَ، وغيرَ مقتنعٍ بأنَّكَ على خطأ... وإذا كنتَ تلتمسُ لِنَفسِكَ الأعذارَ، واضعًا اللومَ على الآخَرِينَ أو على الظُّروفِ الّتي جعلَتْكَ تخطئ... فأنتَ لستَ في موقفٍ يسمحُ لكَ بالاعتراف. قد تَسرُدُ على مسمَعِ الكاهنِ المعرِّفِ أُمُورًا كثيرةً تتعلَّقُ بما اقترَفَهُ الاخَرُونَ في حقِّكَ، شاجِبًا تصرُّفاتِهِم ونواياهُمُ السَّيِّئة، وَمُبْدِيًا حُزْنَكَ وَلَوعَتَكَ مِنْ ظُلْمِهِم... فَباللهِ عليك، هل هذا اعترافٌ أَم إدانَةٌ للآخَرين؟! هل وَقَفَ العَشّارُ أَمامَ اللهِ لِيَقُولَ لَهُ: أللهُمَّ إِنَّ فُلانًا عَرقَلَني، وَفُلانًا أَزعجَني وَفُلانًا أَفسدَ علَيَّ حَياتي؟ أَمْ أَنَّهُ ركَّزَ على أَخطائِِهِ هُوَ، غيرَ ناظِرٍ إلى خطايا الآخَرِين، فأطلَقَ صرختَهُ الصّلاتِيَّةَ الشَّهِيرة: "أللهُمَّ ارحمني أنا الخاطئ"!!
       الاعترافُ هُوَ أن تعترفَ بِما اقتَرَفْتَهُ أنتَ، لا بِما اقتَرَفَهُ الآخَرُون.
       ولنفترضْ أَنَّكَ اجتزتَ هذهِ العقبة، وانتبهتَ إلى أَنَّكَ مخطئ، وأتيتَ إلى الكاهن، وَسَرَدْتَ لَهُ خَطاياكَ سَرْدًا، فهل هذا يكفي؟ كلاّ، إِنَّهُ لا يكفي، إذا كنتَ تَسرُدُها وكأنَّكَ تقرأ نشرةَ الأخبار، دُونَ أنْ يَنعصِرَ قلبُكَ حُزْنًا وخَجَلاً. عليكَ أن تأتي إلى الكاهن، وفي قلبِكَ تصميمٌ على الإقرارِ بضعفِكَ، مادًّا يَدَكَ للعنايةِ الإلهيَّةِ لكي تغفرَ لكَ خطاياكَ وتُنعمَ عليكَ بالقُوَّةِ للتّغَلُّبِ عليها في المستقبل.
       الاعترافُ فُرصَةٌ لِمَحوِ الخطايا وتجديدِ الحياة، لا جلسةُ مُنادَمَةٍ وَدَردَشة.
       نرجو أن نكونَ، من خلالِ هذه الأسطر القليلة، قد أعطينا أبناءَنا المؤمنينَ بعضَ المفاتيحِ الأساسيّة، لكي يُقبِلُوا على سِرّ الاعترافِ بِوَعْيٍ، فَيَنالُوا ما يَرْجُونَ مِنَ الفائدةِ الرُّوحِيّة. آمين.