الآلام الخلاصيّة

        لقد أعلنَ الرّبُّ يسوعُ مِراراً لتلاميذِه أنّهُ ينبغي أن يتألّمَ ويُقتَلَ ويقومَ في اليومِ الثالث. لقد جاءَ إلى هذا العالَم خصّيصاً مِن أجلِ إتمامِ هذه المسيرةِ الخلاصيّة.
        وإنَّ عظَمةَ سرِّ الخَلاصِ هذا تَكمُنُ في التّواضُعِ الرّهيبِ الّذي أَبْداهُ الأُقنومُ الثّاني من الثّالُوثِ الأقدس، الابنُ الوَحيدِ لِلآبِ الأزَلِيّ، إذِ ارتَضى أن يتحمَّلَ الآلامَ والموتَ، وَهُوَ المُنَزَّهُ عَنِ الآلامِ والمَوت.
        بَكى الرَّبُّ يَسُوعُ في بُستانِ الزَّيتُون، وَصَلّى، وَطَلَبَ إلى الآب أن يُبعِدَ عنه تِلكَ الكأس. وهذا ما يُظهِرُ بِوُضُوحِ، وَبِصُورَةٍ لا تَدَعُ مَجالاً لِلشَّكّ، طبيعتَهُ البَشَرِيّة، وَيُؤَكِّدُ محبَّتَهُ القُصوى لَنا نحنُ البَشَرَ الضُّعَفاء، إذْ تَحَمَّلَ مَعَنا وَعَنّا كأسَ المَوتِ المُرّة، لِكَي يُعَلِّمَنا أَنْ نُصَلِّيَ مِثْلَهُ قائِلِينَ لِلآب: "لا كَمَشيئَتي بَل كَمَشيئَتِك".
        وَلَعَلَّ أَعمَقَ شَرْحٍ لآلامِ المُخَلِّصِ هُوَ ما وَرَدَ على لِسانِهِ حِينَ قال: "ليسَ لأحَدٍ حُبٌّ أَعظَمُ مِن هذا، أن يَبذُلَ الإنسانُ نفسَهُ عن أحِبّائه". وهذا بالضَّبطِ ما فَعَلَهُ الرَّبُّ في سَبيلِنا. وأَيَّ بُرهانٍ أوضحَ مِن هذا نُرِيدُ على محبَّتِهِ العُظمى لَنا؟
        ولا نَنسَ أنْ صليبَ الآلامِ هُوَ أيضاً صليبُ النُّور، الّذي بِهِ صارَ الفَرَحُ لِكُلِّ العالَم.