العائلة المسيحيّة

محاضرة بعنوان "العائلة المسيحيّة" ألقاها الأب نقولا مالك على فريق العائلات في رعيّة جبيل بتاريخ الأحد 3/12/2023

العائلة المسيحيّة
*الأب نقولا مالك*
1) لا تقومُ حياةُ الإنسانِ على الفرديّة بل على الشّخصانيّة، في الفكرِ الأرثوذكسيّ؛ أي إنّ الله لم يَخلُقْهُ لمجرّدِ العيش، بل للتَّفاعُلِ معَ سِواه. وفي تَفاعُلِه مع سِواه، خلقَه لا ليَغرقَ في مِحوَرِيّةِ ذاتِه، بل لِيَنفتحَ على الآخَر. لهذا قالَ الله من البدء: "ليس جيّدًا أن يكونَ الإنسانُ وحدَه، فَلْنَصنَعَنَّ له معينًا نظيرَه" (تك 18:2).
- فالعائلة ليست مجرّدَ شكلٍ مِن أشكالِ الروابطِ الإنسانيّة، بل هي قصدٌ إلهيّ، ونموذجٌ للعائلةِ الإنسانيّةِ الشاملة. بهذا المعنى، عندما يصلّي الفَردُ "أبانا" يُشِيرُ إلى أنّه ليسَ وحدَه؛ وعندما تصلّي العائلةُ "أبانا" تُشِيرُ إلى أنّ هذه المجموعة الصغيرة هي تتمّمُ مشيئةَ الله؛ وعندما تصلّي البشريّةُ جَمعاء "أبانا" تُعَبِّرُ عن كَونِها عائلةً واحدةً لِلأبِ السَّماويِّ الواحد.
- مسؤوليّة الزَّوجَين أن يَسهَرا على وصولِ عائلتِهما الصغيرةِ إلى ما يُريدُه الله، عبرَ تقديمِ الطاعةِ لله، فيرسلُ الله نعمتَه لتُعِينَهما في حِفظِ العائلةِ وتطويرِها روحيًّا لتقتربَ مِنَ المِثالِ الذي يُرِيدُه الخالق. فما دامَ التَّفاهمُ قائمًا بينَ الأَبِ والأُمّ، ينمو الأولادُ في بيئةٍ سليمة، ويتعلّمونَ لغةَ الحِوارِ، وأن يُقيموا للآخَرِ وَزنًا، ويأخذوا رأيَهُ بِعَينِ الاِعتبار. هذا يُساعدُ الولدَ على تخطّي الأنا ومحوريّتِها.
2) للمسيحيّ حرّيّةُ اختيارِ البتوليّة، وقد شجّعَ يسوعُ عليها بِقَولِه: "لأَنَّهُ يُوجَدُ خِصْيَانٌ وُلِدُوا هكَذَا مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَاهُمُ النَّاسُ، وَيُوجَدُ خِصْيَانٌ خَصَوْا أَنْفُسَهُمْ لأَجْلِ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَقْبَلَ فَلْيَقْبَلْ" (مت 12:19). والرّسول بولس شجّع عليها أيضًا: "وَلكِنْ أَقُولُ لِغَيْرِ الْمُتَزَوِّجِينَ وَلِلأَرَامِلِ، إِنَّهُ حَسَنٌ لَهُمْ إِذَا لَبِثُوا كَمَا أَنَا. وَلكِنْ إِنْ لَمْ يَضْبُطُوا أَنْفُسَهُمْ، فَلْيَتَزَوَّجُوا. لأَنَّ التَّزَوُّجَ أَصْلَحُ مِنَ التَّحَرُّقِ" (1كور 8:7-9).
- قد يَختارُ المرءُ عدمَ الزواجِ لِظُروفٍ خاصّة خارجَ إرادتِه، أو رغبةً في التفرُّغِ للصلاةِ والعِبادةِ الخدمة، أو لِغَيرِ ذلك. وفي كُلِّ الأحوال، سَماحُ المسيحيّةِ بِعَدَمِ الزَّواجِ لا يعني أنّها لا تتبنّى مؤسّسةَ الزّواج، بل على العكسِ تمامًا، الكنيسةُ المسيحيّةُ تشجّعُ على الزواجِ وتحتضنُه، وتشجِّعُ على تأسيسِ العائلة. فالعائلةُ ضروريّةٌ لِوُجُودِ الكنيسة، إذْ إنّ هذه الأخيرةَ تتألّفُ من مجموعةِ عائلات.
3) العائلة هي كنيسةٌ صغيرةٌ في بيت. هي فردوسٌ صغير. لهذا يشدّد الكتابُ والتقليدُ الآبائيُّ كثيرًا على دور التربية. التربيةُ فَنُّ زرعِ مَخافةِ اللهِ في نفوسِ الأولاد. فالرّسولُ تيموثاوس تلقّى الإيمان الصحيحَ بفضلِ تربيةِ والدتِه وجدّتِه (2 تي 5:1). ولنا مثلٌ جبّار هو القدّيسة آميليا أمّ القدّيس باسيليوس الكبير، التي استطاعت بتربيتِها الروحيّةِ العجيبة أن تقدّمَ أربعةً مِن أولادِها قادةً للإيمان والروحيّات في جيلها وهم: القدّيس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصريّة كبادوكيا، والقدّيس غريغوريوس أسقف نيصص، والقدّيس بطرس أسقف سبسطية، والقدّيسة مكرينا المرشدة الروحيّة لكلّ أخوتها والتي صارت رئيسة دير.
-  ذكرَ بولسُ الرّسولُ كنيسةَ البيتِ في أكثر من موضع: "سلِّموا على بريسكلا وأكيلا والكنيسة التي في بيتهما" (رو16:5). "سلِّموا على الإخوة الذين في اللاذقيّة، وعلى نمفاس وعلى الكنيسة التي في بيته" (كو15:4). "الكنيسة التي في بيتك" (فل2).
- على كُلِّ أَبٍ وَأُمٍّ أن يَقولا مع يَشُوعَ بنِ نُون: "أما أنا وبيتي فنعبد الرب" (يش15:24).
 هذه هي الأسرة السليمة العابدة. ومع إشعيا: "ها أنذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب" (أش18:8) (عب13:2).
- فإذا كان الوالدانِ على هذا الالتزام، يؤمّنانِ بيئةً روحيّةً سليمةً ينمو فيها الأولاد، ممّا يعطيهما مناعةً تحميهما من المؤثِّراتِ السلبيّة في مجتمعهم.