يوم الجمعة العظيمة

س: ما الخِدَمُ الّتي تُقامُ يومَ الجمعةِ العظيمة؟
صباحًا، عندنا خِدمةُ إنزالِ المصلوب، حيثُ نكونُ عشيّة الخميس قرأنا أناجيل الآلام ووضعنا الصّليبَ في وَسطَ الكنيسة مرتّلينَ: "اليومَ عُلِّقَ على خَشبة".
خدمةُ إنزالِ المصلوب هي عبارةٌ عَن صَلَواتِ السّاعات، وصلاةِ الغُروب. في كُلٍّ منها تراتيلُ جميلةٌ للمناسبة، وَتلاوةٌ من الإنجيل. في أثناء تلاوةِ إنجيل صلاة الغروب، حينَ نَصِلُ إلى المقطع الّذي يُخبرُ عن يوسُفَ الرّاميّ وكيفَ أنزلَ جسدَ الرّبِّ عن خشبةِ الصّليب ولفّهُ بِكَتّانٍ نقيّ، نَلُفُّ الصَّليبَ بقماشٍ أبيض، ونأخُذُهُ من وسط الكنيسة إلى الهيكل، حيثُ سيبقى مُغَطًّى إلى اليومِ الأربعين بعد القيامة (الصُّعود).
س: ماذا نضعُ مكانَ الصّليب؟
    بعد أن نأخُذَ الصَّليبَ إلى الدّاخل، وفي أثناءِ ترتيلِ ذكصاستيكون الأبوستيخُن، وهي التّرنيمةُ الرّائعة "أيّها المُتَرَدّي النُّورَ كالسِّربال"، نقومُ بِزياحٍ يَحمِلُ الكاهنُ فيه "الإبيطافيون". وهوَ أيقونةُ تهيئةِ المسيحِ لِلدَّفن. فهو يَرمُزُ إلى قَبرِ المسيح.
    هذا الإبيطافيون نَضَعُهُ في وَسَطِ الكنيسةِ مكانَ الصَّليب، تَذكارًا لِما فَعَلَهُ يُوسُفُ وَنيقوديموس.
س: هذا في صباحِ الجمعة. فماذا عن المساء؟
بِما أنَّ الإبيطافيون يَرمُزُ إلى قَبرِ المسيح، نجتمعُ مساءً وَنُنشِدُ تَقارِيظَ جُنّازِ المسيحِ المدفُونِ رَمزِيًّا في الإبيطافيون. خدمةُ الجنّازِ هِيَ صَلاةُ سَحَرِ السَّبت، تُضافُ إلَيها التّقاريظُ ونبوءةُ حزقيال (1:37-15)، ورسالةٌ وإنجيل. وتتخَلَّلُها ترانيمُ غايةٌ في الرَّوعة، مثل "إنَّ موسى العظيم" و"إنَّ يوسفَ لمّا شاهد الشّمسَ قد أخفَتْ أشعَّتَها".
وَالمُلاحَظُ هُوَ طُغيانُ القُوَّةِ والفَرَحِ على ترانيمِ خدمةِ جنّازِ المسيح.
س: تكلّمنا عَنِ الخِدَم الّتي تُقامُ يوم الجمعة العظيمة. حدِّثنا عن معنى هذا اليوم.
يَومُ الجمعةِ العظيمُ رمزٌ لِلظُّلْمةِ، لأنَّ قَتْلَ المسيحِ هُوَ خطيئةُ الخطايا وَجريمةُ الجرائم؛ إلاّ أنّهُ في الوقتِ نفسِهِ يَومُ الفِداءِ، لأنَّ موتَ المسيحِ هُوَ موتٌ خَلاصِيٌّ لَنا. كيفَ ذلك؟ وماذا نَعني بِقَولِنا إنَّ المسيحَ ماتَ عَنّا، أوِ افتَدانا بِمَوتِه؟ الجوابُ أنَّ الموتَ هُوَ ثَمَرَةُ الخطيئة، إذْ عندَما اختارَ الإنسانُ أن يبتعدَ عَنِ اللهِ دُونَ أن يَملِكَ حياةً في ذاتِهِ، مات. أمّا المسيحُ فلا خطيئةَ فيه، إذًا لا مَوتَ فيه، ومعَ ذٰلِكَ ارتَضى أن يَمُوتَ حُبًّا بِنا فَقَط. لذٰلِكَ مَوتُهُ حَطَّمَ مَصدرَ المَوتِ نفسَهُ، أَيِ الشَّرّ.
لِكَي يَنتصرَ الشَّرُّ، عليهِ أن يُزِيلَ الخَيرَ وَيُخزِيَهُ وَيُظهِرَ تَفَوُّقَهُ عليه. وهٰذا لَم يحصلْ، لأنَّ المسيحَ في خلالِ آلامِهِ كُلِّها كانَ هُوَ المنتصر: ظَهَرَتِ المُراءاةُ مُراءاةً، والقَتلُ قَتلاً، والخَوفُ خَوفًا. وَكُلَّما تقدَّمَ المسيحُ صامتًا مِن صليبِه، اتَّضحَ انتصارُهُ ومجدُهُ وغَلَبَتُهُ على الشِّرِّير. ونرى أنَّ هٰذا الاِنتصارَ يُعلَنُ وَيُعتَرَفُ بِهِ: زوجة بيلاطس، يوسف الرّاميّ، اللصُّ المصلوب، قائدُ المئة.
لذٰلكَ، رُغمَ كَونِ يومِ الجمعةِ يومَ ظُلمة، إلاّ أنَّ رائحةَ القيامةِ تَفُوحُ مِنه.