نصائح للصائمين

- الصوم والجوع:
قد ينشغلُ بالُ الصائمِ في كَونِ المأكولاتِ الصياميّةِ ذاتَ قيمةٍ غذائيّةٍ ضعيفة، وفي كَونِ الاِنقطاعِ عن الطعامِ يُسبِّبُ الجُوع.
والحقيقةُ أنّ الإنسانَ المُنشغلَ بالإلهيّاتِ تَشبَعُ نفسُه بالله، فتَنسى الطعام. تمامًا كما ننسى أن نأكل عندما نكون منشغلين بأمرٍ هامّ:
"وباسمِكَ أَرفَعُ يدَيَّ، فتمتلئُ نفسي كما مِن شحمٍ ودسَم" (مز 5:62)
أضِفْ إلى ذلك أنّنا نتفرّغ في فترة الصوم للحُزنِ على خطايانا، فنَسهُو عن الطعام:
"ضَمَرْتُ كالعُشبِ ويَبِسَ قلبي، لأنّي سَهَوتُ عن أكلِ خُبزي" (مز 4:101)
متى شَبِعَتِ النَّفسُ شَبِعَ الجسدُ معها، وصامَ صَومًا طبيعيًّا لا تَعَبَ فيه ولا قَسْرَ ولا جُوع. أنتَ لا تأكلُ طعامًا جسديًّا ولكنّ نفسَكَ تتغذّى، وجسدُك يتغذّى معها بِغِذائها:
"نُورُ العينَينِ يُفَرِّحُ القلب، والخَبَرُ المُفْرِحُ يُسَمِّنُ العِظام" (أم 30:15)
مَن يَنظُر إلى الأشياء بإيجابيّةٍ وتفاؤل، يرى عظائمَ الله في كلّ الخليقة، وفي كُلِّ الناس، حتّى وسطَ الآلام والاضطرابات، فيفرح قلبُه. ومتى سمع خبرًا مُفرِحًا عن غيرِهِ من الناس يَبلُغُ به الفرحُ حَدَّ الشعورِ بالشِّبَعِ الجسديّ. فكأنّ الأخبارَ المفرحةَ غذاءٌ َدَسِمٌ للجسد، مِن خلالِ سُرُورِ النَّفْس.

- الصوم والقسوة على الجسد:
ليسَ المطلوبُ أن نقتلَ الجسد، بل أن نُذِلَّه، لكي نَصِلَ إلى إذلالِ النَّفْسِ الجَمُوحِ وتَروِيضِها، وضَبطِ شهواتِها الرّديئة. مطلوبٌ الاعتدال. مطلوبٌ أيضًا الاسترشاد، لأنّكَ قد لا تتمكّنُ من تطبيقِ كلّ ما تقرأه عن الصوم، بحسبِ قامتِكَ الروحيّةِ وبحسبِ وضعِكَ الصحّيّ. لِنَسمَعْ ما قالَهُ البارُّ بَرصنوفيوس لتلميذٍ له كان يتألّمُ من عدمِ قدرتِهِ على الصوم بسببِ مرضِه: 
"إعلَمْ أنّ الصّومَ قد وُضِعَ لإذلالِ الجسد. فإذا كانَ الجسدُ مذلولاً بِمَرَض، فقد وصَلْنا إلى الغاية التي من أجلِها نصوم".

- الصّوم والمآكل:
    قالَ أحدُ الآباءِ الروحيّين لأبنائه، مُجيبًا عن سؤالِهم حولَ الأطعمةِ المسموحِ تناوُلُها في الصّوم: تَنصَحُ الكنيسةُ في هذا الموسمِ بتناوُلِ ثلاثةِ أنواعٍ من الطعام:
1- قراءةُ الكتابِ المقدّس "ليس بالخُبزِ وحدَهُ يَحيا الإنسان، بل بِكُلِّ كلمةٍ تخرج مِن فَمِ الله"(مت4:4).
2- تطبيقُ ما قرأناه في الكتاب المقدّس "طعامي أن أعملَ مشيئةَ الذي أرسلني وأُتمّمَ عملَه" (يو34:4).
3- الاشتراكُ بالأسرارِ الإلهيّة "إنَّ جسدي مأكلٌ حَقٌّ، ودَمي مشربٌ حقّ" (يو 55:6).
    عُمومًا، يكونُ الصومُ بالانقطاعِ التامّ عن الطعام إلى حِين، أي بإلغاءِ وجبةِ الصّباح. ويكونُ أيضًا بالامتناعِ عن الأطعمةِ الزَّفَرِيّة. الاستثناءاتُ موجودةٌ حسبَ الأوضاعِ الصحّيّةِ وحسبَ الأعمار.
    الصّائمُ لا يَسعى إلى اللذّةِ في الأكل، لذلك لا يَختارُ المَآكلَ بسببِ طعمِها اللَّذيذ، بل بسببِ قيمتِها الغِذائيّة. إذ المطلوبُ أن نحافظَ على صحّتِنا قدْرَ الإمكان. عامِلْ جسدَكَ معاملةَ الطبيبِ للمريض. لا تُبِحْ لَهُ ما يُؤذيه ولَو طلبَهُ بِشِدّة، وقدّمْ له ما يَنفعُه ولَو لم يَرضَ بِه. يقول القدّيس يوحنّا الدمشقيّ:
اذا تناولتَ الكأسَ لتشرب، فاذكر الخلّ والمرارة التي شربها يسوعُ من أجلك، وبذلك تضبط نفسَك.

- الصوم والصلاة:
    قال الربُّ عن جنسِ الشياطينِ إنّه "لا يُمكنُ أن يخرجَ بشيءٍ إلّا بالصّلاةِ والصّوم" (مر 29:9). وتلاميذُه كانوا يَقرِنونَ تبشيرَهم وخِدمتَهم بالصّلاةِ والصوم. فمثلًا، عندما أفرزوا برنابا وشاول "صاموا حينئذٍ وصلَّوا ووضعوا عليهما الأيادي ثمّ أطلقوهما" (أع 2:13و3).
    والكتابُ المقدّس يحدّثنا عن اقترانِ الصومِ أيضًا بالصَّدَقة. فنقرأ في سِفرِ إشعيا مثلًا:
"يقولونَ لماذا صُمنا وَلم تنظرْ. ذلّلنا أنفسنا ولم تلاحظ... ها إنّكم للخصومةِ والنزاعِ تصومون... أمِثلُ هذا يكونُ صومٌ أختارُه؟ أليسَ  الصّومُ الذي أَختارُهُ أن تكسرَ للجائع خبزك، وأن تُدخلَ المساكينَ التائهين إلى بيتك. إذا رأيتَ عُريانًا أن تكسوَه، وأن لا تتغاضى عن لحمِك. حينئذٍ ينفجرُ كالصُّبحِ نُورُكَ وتَنبتُ صحّتُك سريعًا، ويسيرُ بِرُّكَ قدّامك...
حينئذٍ تدعو فيُجيبُ الربّ. تستغيثُ فيقولُ هاءنذا"
(إش 3:58-9)

- الصوم والتصرُّفات:
    يقول القدّيسُ باسيليوس الكبير:
إن الصوم الحقيقى هو سَجن الرذائل، أي ضبطُ اللسان، وإمساكُ الغضب، وقَهرُ الشَّهَوات.
أَقرِنْ صَومَكَ عن الطعامِ بِمراقبةِ نفسِكَ في المواقفِ المختلفة، وتجنَّبِ الموقف السَّلبيّة، والغضب- الإدانة- النميمة- كثرة الكلام- الأحاديث الباطلة... وامتنِعْ عن التّسليةِ واللَّهو، وتجنَّبِ الموائد والاحتفالات.
أمّا لِسانُكَ فاضبطْهُ بِشِدّة، لئلّا تقعَ في النميمةِ والأحاديثِ الباطلة والإدانة. يقولُ القدّيسُ مكسيموس المعترف:
مَن غَلبَ الحنجرةَ فقد غلبَ كلّ الأوجاع
    قَلِّلْ مِن انشِغالاتِكَ في فترة الصومِ إلى الحَدّ الأدنى: التلفاز، الفيسبوك والإنستغرام والألعاب الإلكترونيّة... وكلّ ما يستهلك الوقت ويَشغلُ التفكير.
    
- نشاطات مطلوبة:
    خصِّصْ أوقاتًا أكثر لمطالعة الكتاب المقدّس والكتب الروحيّة، واستماعِ المواعظ.
    قم بالسَّجداتِ في المنزل. وإن كنتَ أصلًا تقوم بها، ضاعفْها في فترة الصوم.
    إسعَ إلى تخصيص فتراتٍ للهدوء، سواءٌ في المنزل، أو في أحد الأديار.
    إسعَ إلى تقديمِ خدمةٍ عمليّةٍ، سواءٌ لأحدِ الأقرباء، أو الجيران، أو ضمن مؤسّسةٍ اجتماعيّة.
    تقدّم إلى سرّ الاعتراف، مرّةً على الأقلّ في فترة الصوم.
    خصّصْ أوقاتًا للترتيلِ والإنشاد، أو أيٍّ من الفنونِ الكنسيّة.