الرّعِيّة وَالْتِفافُها حَولَ شَفيعِها

           1:      الرَّعِيَّةُ هِيَ الكَنِيسَةُ بِمِلْئِها.
      المسيحُ أَسَّسَ كَنِيسَةً واحِدَةً شامِلَةً. فَكُلُّ المُؤْمِنِينَ في كُلِّ الرَّعايا والأبرشيّات والبطريركيّات، يُؤلِّفُونَ كَنِيسَةً واحدةً.
      ولكنْ، لا يُمكنُ أن يَجتمعَ هؤلاءِ المُؤمنونَ الموجودونَ في بِقاعِ الأرض القاصيةِ والدّانِيَةِ في بِناءٍ واحدٍ لإتمامِ خدمةِ القُدّاسِ الإلهيّ، وسائر الأسرار. لذلك، تَمَّ ما نَراهُ من التَّقسيماتِ الإداريّة:
- البطريركيّة: في كلّ بُقعةٍ من بِقاعِ الأرض، قِسمٌ مِنَ الكنيسةِ الشّامِلة، برئاسةِ بطريرك.
- الأبرشيّة: البطريركيّة لا يُمكنُ أن تجمعَ كُلِّ المؤمنينَ في بِناءٍ واحد، لذلك، نجدُ فيها أقسامًا، كلُّ قسمٍ يُسمّى أبرشيّة، برئاسة ميتروبوليت.
- الرّعيّة: الأبرشيّةُ بِدَورِها تنقسمُ إلى أقسامٍ تُسمّى كلٌّ مِنها رَعِيّة، يَقودُها كاهن.
 
      في كُلٍّ مِن هذه الأَقسام، الكَنِيسَةُ كامِلَةٌ، لأَنَّ حُضُورَ المسيحِ فيها كامِلٌ. حَيثُ تَمَّ الاجتِماعُ الإفخارستِيّ، وَتَحَوَّلَ الخُبْزُ والخمرُ إلى جَسدِ المسيحِ وَدَمِه، كانَتِ الكَنِيسَةُ بِمِلْئِها.
 
      الرَّعِيَّةُ، إِذًا، غايَةٌ في الأَهَمِّيّة. إِنَّها تِلكَ الرّابِطَةُ الّتي تَجْمَعُ أَبناءَ المسيح، لِيَعِيشُوا مِلءَ حياةِ المسيح، ويَنمُوا في القامةِ الرُّوحِيّة، وَيتكامَلُوا ويَتَكاتَفُوا.
 
2:      لِماذا تَتَّخِذُ الرَّعِيَّةُ شَفِيعًا؟
      يَسُوعُ هُوَ شَفِيعُنا عندَ الآب: بمعنى أَنَّهُ، وَحْدَهُ، الإلهُ المُتَجَسِّدُ مِن أجلِ خَلاصِنا. وَحدَهُ القادِرُ على خَلاصِنا. آلامُ يَسُوعُ، وَحْدَها، هيَ الآلامُ الخَلاصِيَّةُ، أي الّتي لَها قُوَّةُ الفِداء. يَسُوعُ هُوَ المُخَلِّص.. هُوَ الفادي.
      ولكنْ، هذا الخَلاص.. هذا الفِداء.. أَوْصَلَهُ المسيحُ إلينا عَبرَ أُناسٍ:
- فالرُّسُلُ نَقَلُوا البُشْرى الّتي كَلَّفَهُمُ المسيحُ نَقْلَها إلى إخوتِهِمِ البَشَر، لا لأَنَّهُ كانَ عاجِزًا عَن إِبلاغِها، بَل لأَنَّهُ يُرِيدُ أن يُساهِمَ النّاسُ في خَلاصِ النّاس.
      المُخَلِّصُ واحِدٌ، والمُساعِدُونَ على الخَلاصِ كُثُر.
      رَبُّ الحَصادِ واحدٌ، والعَمَلَةُ في الحقلِ كُثُر.
- والشُّهَداءُ حافَظُوا على الأَمانةِ الّتي تَسَلَّمُوها، لم يُفَرِّطُوا بِها إزاءَ الخَوفِ مِن العذابِ أو من الموت. لولاهم لاضمحَلَّتِ الكنيسة.
- والأبرارُ بَرهَنُوا، بأجسامهم البشريّةِ الضّعيفة، قُوَّةَ القيامة، وجعلُونا نرى عُربونَ التَّأَلُّهِ والعِيشةِ السَّماويّة.
- وَقُلْ مِثْلَ ذلكَ عن الملائكةِ والأنبياءِ والمُعتَرِفِينَ والآباءِ والعادِمِي الفِضّة... باختِصار: كُلِّ القِدِّيسِين.. كُلِّ مَنْ سارَ في حَياتِهِ سِيرَةً مَسِيحِيَّةً حَقّة.. كُلِّ مَن كانَ إِنجِيلاً حَيًّا بِالمُمارَسَةِ لا بِالقَول...
*** كُلُّ هؤلاء هُم شُفَعاؤُنا، لأَنَّهُمْ حافَظُوا على الإيمان، وَأَوْصَلُوهُ إلَينا، وَلَولاهُمْ لَما عَرَفْنا المسيح، وَلَما وَصَلَ إلَينا الإنجيلُ، لا مَخْطُوطًا، وَلا مُمارَسًا.
 
3:      هؤلاء، وعلى رأسهم مريم العذراء، هُمْ شُفَعاءُ كُلِّ المسيحيِّين.
      المسيحيُّ يَبدأُ حَياتَهُ في المسيح، في هذا العالَم، مُقْتَفِيًا آثارَ واحدٍ منهم، وذلك عندما يَتَّخِذُ، في المعموديّة، شَفِيعًا لَهُ، يَحمِلُ اسْمَهُ. لِماذا؟ لأَنَّني عندما أعتمدُ، أحتاجُ إلى دَرْبٍ واضحةٍ وَمضمونةٍ تُوْصِلُني إلى المسيح. فأجدُ ضالَّتِي في إنسانٍ تَقَدَّسَ وارتَفَع.
      الرَّعِيَّةُ، وهذا موضوعُ حديثِنا اليوم، عندما تتأسَّسُ، تتَّخِذُ واحدًا منهم كَشَفِيعٍ لَها، فَتُسَمِّي كَنيسَتَها على اسْمِه:
- شَفِيعُ الرَّعِيَّةِ نَمُوذَجٌ تَقَدَّسَ. الرَّعِيَّةُ تَسْتَضِيءُ بِسِيرَتِهِ، لِتُحَقِّقَ هَدَفَها الأَساسِيّ، أَلا وَهو: أَنْ يَتَقَدَّسَ أَعضاؤُها.
- شَفِيعُ الرَّعِيَّةِ ماثِلٌ، مَعَ سائرِ القِدِّيسِينَ، لَدى عَرشِ الثّالُوث، وَلَهُ دالَّةٌ. الرَّعِيَّةُ تَلْتَفُّ حَوْلَهُ كَمُصَلٍّ مَعَها وَلأَجْلِها، يَرْفَعُ تَضَرُّعاتِها، بِما لَهُ مِن دالَّةٍ، إلى الله.
 
      المَسيحُ هُوَ وحدَهُ البابُ الّذي يُؤَدِّي إلى السَّماء. وَكُلُّ واحدٍ مِن هؤلاءِ القدِّيسِين قد وَصَلَ إلى هذا الباب، سالِكًا طَريقًا ما.. إِذًا، الرَّعِيَّةُ الّتي تَسَمَّتْ على اسمِ هذا القِدِّيس، تَتْبَعُهُ في الطَّريقِ الّتي سَلَكَها، لِتَصِلَ إلى هذا البابِ الأوحد: يَسُوع المسيح..
      كُلُّ القِدّيسِينَ يَقُودُونَ إلى يَسُوعَ المَسِيح، مَهما كَثُرَتْ أعدادُهُم وأسماؤُهم، وَمهما تَنَوَّعَتْ أَسالِيبُ حَياتِهِم.
      وَفَوقَ ذلك، لا يُمْكِنُ أَنْ نَصِلَ إلى يَسُوعَ المَسِيح، إِلاّ بِمَعُونَةِ هؤلاءِ القِدِّيسِين. لِماذا؟ لأَنّ الرَّبَّ يَسُوعَ هُوَ الّذي أَرادَ ذلك وَخَطَّطَ لَهُ، وَإِلاّ، لَما ارتَفَعَ ِإلى السَّماء، بَلْ لبَقِيَ مَعَنا بِجَسَدِهِ، وَلَظَهَرُ لِكُلِّ واحدٍ مِنّا على حِدَةٍ، لِيُعَلِّمَهُ وَيُرْشِدَهُ.
يَسُوعُ عَلَّمَنا أَنَّهُ سَيَبقى مَعَنا مِنْ خِلالِ قِدِّيْسِيه. نَعرِفُ طَريقَهُ مِن خِلالِهِم. نَعرفُ مشيئتَهُ مِن خِلالِهِم. ولهذا، نحنُ واثِقُونَ أَنَّهُ مَعَنا، بعدَ صُعُودِهِ إلى السَّماوات، بِصُورَةٍ حَيَّةٍ وَفاعِلة.
والكَنِيسةُ لا يُمكنُ أن تخلوَ مِنَ القِدِّيسِين، في أَيِّ زَمان.
 
4:      إِنَّنا نَذْكُرُ تَوارِيخَ أَعيادِ أَصدِقائِنا وَأَحِبّائِنا. يُسَرُّونَ إنْ عايَدْناهُم. مُجَرَّدُ تَذَكُّرِنا تارِيخَ عِيدِ إِنسان، دَلِيلٌ على اهتِمامِنا بِهِ وَمَحَبَّتِنا له.
- كذلك، عِيدُ شَفِيعِ الرَّعِيّة، يجبُ أن يكونَ مِن أبرزِ التَّواريخِ على رُوزنامةِ السَّنةِ الّتي نُخَطِّطُ لَها. علينا أن نرتبطَ بهذا التّاريخ ارتِباطًا لا جِدالَ فِيه. لا يُمكنُ أن نُعْطِيَ مَكانَهُ لأَيِّ نَشاطٍ آخَر.
 
      نَذْكُرُ مَنْ نُحِبُّهُ بِاستِمرار. سِيرَتُهُ دائمًا على لِسانِنا.
- كذلك، نَذكُرُ شَفِيعَ الرَّعِيَّةِ كُلَّ يَومٍ في طُقُوسِنا، عدّةَ مرّات: في خِتامِ صَلاةِ السَّحَر وصَلاةِ الغُروب والقُدّاس الإلهيّ وَالصَّلاةِ على المريضِ أو المرأةِ النّفساء... في طِلبةِ الباراكليسي، ...
 
      الرَّعِيَّةُ تَحملُ اسمَ شَفيعِها (رَعِيَّةِ القِدِّيسة بربارة...)
      إذا كانَ في الرَّعِيَّةِ أكثرُ مِن كَنِيسة، يَكُونَ لَها عِدَّةُ شُفَعاء، وهذا غِنًى.
 
5:      قد لا نَحفَظُ كُلَّ سِيَرِ القِدِّيسِين، ولكنْ لا يَجُوزُ أَلاّ نَعْرِفَ سِيرَةَ شَفِيعِ الرَّعِيّة:
- نُطْلِعُ النّاشِئَةَ عَلَيها، لِيَتَعَلَّمُوا مِنها حُبَّ المسيح، والرَّغْبَةَ في طَريقِ القَداسة، بَدَلاً مِنْ أن نُشَوِّشَ عُقُولَهُم بِقِصَصٍ دَخِيلةٍ مِن هُنا وَهُناك، نُوْهِمُهُمْ بِأَنَّها هِيَ الدِّين، كَقِصَّة بابا نويل الّتي باتَ عيدُ الميلاد لا يُساوِي، في نَظَرِ النّاس، شَيئًا بِدُونِها؛ وقِصّةِ الوُجُوهِ التَّنَكُّرِيّة الّتي صارَتْ هِيَ وَحدَها ما تَبَقّى في ذِهْنِ النّاسِ مِن سِيرَةِ الشَّهيدةِ العظيمةِ بربارة.
- نَنْشُرُها بِشَتّى الوَسائل المُتاحة (أوراق، كَرّاسات، كُتُب، التَّقويم السَّنَوِيّ إنْ وُجد، بِمُناسَبَةِ مَعمودِيّةِ طِفل...)
      مِنَ الضَّرُورِيّ أن نَحفَظَ تَراتِيلَ خِدمَةِ شَفِيعِ الرَّعِيَّة، وَأن نلتَفَّ حَولَ الكاهن في يومِ العِيدِ، مُلْهِبِينَ الكَنِيسَةَ بالتَّرتيلِ العَذب. على الأَقَلّ الطّروباريّة الأساسيّة. وَإِنْ وُجِدَ نَشِيدٌ (أُغْنية روحيّة) عن هذا القدّيس أن نتعلَّمَه، فَيُصْبِحَ شِبْهَ نَشِيدٍ رَسْمِيٍّ للرَّعِيّة (أُنْظُرُوا مَثَلاً نَشيد "يا طالِعْ عا حماطورة"، كَمْ هُوَ مَرغُوب، وَيُشَكِّلُ عُنصُرَ جَذْبٍ وَحَماسَةٍ للشَّبابِ وَالنّاشئة).
 
      مِنْ غَيرِ اللائق أَنْ يَخْلُوَ أَيُّ بَيتٍ من بيوتِ الرَّعِيَّة من أَيقونةٍ واحدةٍ على الأقَلّ تحملُ صُورَةَ شَفيعِ الرَّعِيّة.