الصّوم والعلاقة مع الآخَر

- نعلَمُ أنَّ الصَّومَ إمساكٌ عَنِ الطَّعام، عن طريقِ إعطاءِ الجَسَدِ حاجَتَهُ لِلقُوت. فيه نُرَكِّزُ على إعطاءِ الجَسَدِ حاجتَهُ لا شَهْوَتَه، وَشَتّانَ ما بَينَ الاثنتَين
- وَنعلَمُ أنَّ الصَّومَ صَومُ جَسَدٍ وَصَومُ نَفس. فالجَسَدُ يصومُ عَن المَآكِلِ، واللسانُ عَنِ الثرثرةِ والكلامِ البَطّال، والعَينُ عَنِ المشاهدِ غيرِ اللائقة، والقَلبُ عَنِ الغَضَبِ والحِقد...
    + يقول القدّيس إسحق السّريانيّ: "صوم اللسان عن النّطق بالأباطيل خيرٌ من صوم الفم؛ وصوم القلب عن الحَنَقِ والحقد خيرٌ من الإثنين معًا".‎
- الهَدَفُ مِن كُلِّ ذلك هُوَ الخُرُوجُ مِنَ دائرةِ ال "أنا".. الخروجُ مِنَ التَّمَتُّعِ بالذّات، والوُصُولُ إلى أن نَعمَلَ كُلَّ شيءٍ لِمَجدِ الله.. وَخِدمةِ القريب.
وهذا هو موضوعُ حديثنا اليوم.
خُلاصَةُ الصِّيامِ أنَّني أَقُولُ لِنَفسي "كفى".. أَقُولُ لها "لا".. أُحَصِّنُها ضِدَّ هَجَماتِ العَدُوِّ المُدَمّرة، وما أَكْثَرَها! وأَدعَمُ صِيامي بالصَّلاةِ الّتي تُسَلِّحُني لأنتصِرَ على الأعداء.
في هذا المَنعِ قَهْرٌ لِلنَّفس.. فيه نَوعٌ مِن الإماتة.. إتّحادٌ معَ المسيحِ في موتِه، لِلوُصُولِ إلى ظَفَرِ قِيامَتِه.
- كُلُّ هذا الكلامِ يَعني أنَّ المَرءَ لا يَصُومُ لِدَواعٍ فَردِيّة، بَل يَصُومُ بِهاجِسِ المحبّةِ الّتي تَجعلُه يُعِيدُ تَقييمَ نظرتِه إلى الآخَر، كُلِّ آخَر.
- صامَ الرَّبُّ يَسُوع، فَعَلَّمَنا كيفَ نَنجَحُ في مواجَهَةِ جميعِ أنواعِ التّجارِبِ:
- الآحادُ المُهَيِّئةُ لِلصَّوم، تُعطينا فكرةً واضحةً عن المعنى العميق للصَّوم في بُعدِهِ الاجتماعيّ:
    + الكنعانيّة وزكّا العشّار: عدمُ المُبالاةِ بالكرامةِ الشخصيّة، سَعياً لِكَسبِ نعمةِ الرّبّ.
    + الفرّيسيّ والعشّار: الابتعادُ عن مَدْحِ الذّات إزاءَ العزَّةِ الإلهيّة.
    + الابن الشّاطر: خَطَرُ الابتعادِ عَن بيتِ الآب والسُّلُوكِ وَفْقَ المشيئةِ الذاتيّة.
    + مرفع اللحم: خَطَرُ الاهتمامِ بالذّات والإعراضِ عن حاجاتِ الآخَر، إذا فيه إعراضٌ عن الرَّبِّ نفسِه.
    + مرفع الجُبن: الابتعاد عن شَجبِ الآخَرِ وإدانتِه، بل على العكس ضرورة مسامحته ومراعاتِه.
 في كُلِّ ما ذُكِر، نتعلَّمُ الخُروجَ مِن دائرةِ ال "أنا"، وهذا لا يتحقَّقُ إلاّ بالصَّومِ الّذي بِهِ نَلجُمُ النَّفسَ، وَنُدَرِّبُها على الشِّدَّةِ وعدَمِ الاستِرخاء، فتَنضِجُ رُوحِيّا، ولا تَعُودُ تَطلُبُ ما لِنَفسِها، بل ما هُوَ لِلرَّبّ. وما هُوَ لِلرَّبِّ لا يتحقَّقُ إلاّ عَن طريقِ الالتِفاتِ إلى القريب.