الموسيقا البيزنطيّة والروحانيّة الأرثوذكسيّة (1)

*إعداد الأب نقولا مالك*

- ما هي الموسيقا البيزنطيّة:
الموسيقا المعروفة بالبيزنطيّة، هي فَنُّ الترتيلِ المعتمَدُ في كنيستِنا الأرثوذكسيّة. وهو فنٌّ قديمٌ يَرقى إلى القرونِ الأُولى للمسيحيّة. وَمِن أقدمِ التراتيلِ التي بقيَت لنا من القرونِ الثلاثةِ الأُولى: يا نورًا بهيًّا، والذكصولوجيا، وقدّوسٌ قدّوسٌ قدّوسٌ ربُّ الصباؤوت. أمّا المزامير، فكانَت تُرتّل إفراديًّا، والشعبُ يُردِّدُ لازمةً ما، مثل: هللويا أو لأنّ إلى الأبد رحمته، أو المجد لك يا إلهنا المجد لك، أو غيرها.
وابتداءً من القرنِ الرابع للميلاد، بدأ الترتيلُ الكنسيُ يُنَظَّم، فنشأت الجوقات، وعُرفَ نظامُ الجوقَين. وفي تلك الفترةِ ظهرت الطروبارية، وهي ترتيلةٌ قصيرةٌ تُعبّر عن معنى العيد.
ومعَ مرورِ الزَّمَن، اغتنى فَنُّ الترتيلِ بِنُصُوصٍ وألحانٍ كثيرةٍ ومتنوّعة. ونَبَغَ في كُلِّ عَصرٍ بعضُ الشُّعراءِ والموسيقيّين الكَنسيّين، أذكر منهم على سبيل المثالِ لا الحَصر: ساويروس أسقف أنطاكية ورومانوس المرنّم (القرن السادس)؛ يوحنّا الدمشقيّ وقزما المنشئ وأندراوس أسقف كريت وثيوفانِس أسقف أزمير (القرن الثامن)؛ يوحنّا غليكيس ويوحنّا كوكوزاليس (رابع عشر)؛ مانويل خريسافي (خامس عشر)؛ بطرس بيريكاتيس وبطرس الموري ويوحنا لمباذاريوس ويعقوب بروتوبسالتيس وبطرس البيزنطي (سادس عشر وسابع عشر)؛ خريسنثوس المديتي وغريغوريوس بروتوبسالتي وخورموزيوس (تاسع عشر).
وهكذا وصلَ إلينا هذا التُّراثُ الغنيّ والجميل.. تراثُ فَنّ الصلاة إذا جاز التّعبير.
 
- أهمّيّة الترتيل روحيًّا ورعائيًّا:
كُلَّما اقترَبْنا مِن جمالِ اللهِ وقداستِه، تكشَّفَتْ لنا نقائصُنا وعيوبُنا. وهذا أمرٌ مطلوب. إذا لم نشعرْ بضعفاتِنا لا نستطيعُ أن نتوبَ حقًّا. يقول الشيخ ديونيسيوس الذي من رومانيا: "إنّ التراتيلَ البيزنطيّةَ تستحضرُ إلى ذِهنِكَ كُلَّ خطاياك، وتَجعلُكَ تَشعرُ أنّكَ ماثِلٌ أمامَ الله".
لم تُدخَلِ النّغماتُ الموسيقيّةُ إلى الترتيلِ لكي نستعرضَ إمكاناتِنا ونتباهى بمهاراتِنا. الموسيقى البيزنطيّة تحديدًا وُضِعَتْ لِتُعَلِّمَنا التواضعَ والتوبة.. وتاليًا، لِتقرِّبَنا إلى الله.
الموسيقا مؤثّرة. ولكنّنا مدعوّون إلى عدم الانسياقِ وراءَ تأثيراتِها العاطفيّة. موسيقانا الكنسيّة موضوعةٌ لا لتؤثّرَ على العاطفة البشريّة، بل لِشَحنِ النّفوسِ بطاقةِ التّوبة. لا نرتّلُ لِنُثيرَ الشَّهَواتِ بل لِنُخمِدَها. نحنُ مدعوّون للسُّمُوِّ نحوَ الإلهيّات، لذلك نطرحُ عنّا الاهتماماتِ الدّنيويّة.
لذلك فضّلَ الآباءُ في القرنِ الرابعِ عدمَ إدخالِ الآلاتِ الموسيقيّةِ إلى الكنيسة، رغمَ وجودِها في عبادةِ شعبِ اللهِ في العهدِ القديم (سبّحوه بلحن البوق، سبحوه بالمزمار والقيثارة، سبحوه بالطبل والمصاف، سبحوه بالأوتار وآلات الطرب. مز 150). لأنّ الآلاتِ تلعبُ على أوتارِ العواطفِ البشريّة، والمطلوب ضبطُ هذه العواطف بالكلمةِ الإلهيّة.
يقول الذّهبيُّ الفم: "إنّ الله سمحَ لمؤمني العهدِ القديم أن يستعملوا الآلات في طقوسهم نظرًا إلى تخَنُّثِ آدابهم ونقص شعورهم، وليساعدَهم في ضعفهم ويُبعدَهم عن الأوثان، أمّا الآن فإنّه يحتقر كلّ آلةٍ مادّيّة، ويريد أن يسبَّح بأفواه البشر". وغريغوريوس اللاهوتيّ قال: "لنتناول الأناشيدَ بدلًا مِن الدُّفوف، ونرتّل المزاميرَ بدلًا مِن الأغانيِّ التي نؤدّيها ونحن نرتدي الأزياءَ غيرَ المُحتشِمة".
ولكي نعرفَ الأهمّيّة الروحيّة للترتيل، لِنَسمَعْ ما يقولُه القدّيس سمعان اللاهوتيّ الحديث: "إنّ كلّ صلاةٍ أو ترنيمٍ هو محادثةٌ مع الله، نتوسّلُ فيها إليه أن يعطيَنا ما يليقُ باللهِ أن يعطيَ الإنسان؛ أو نشكرُه على عطاياه؛ أو نمجّدُه على المخلوقات التي أبدَعَها؛ أو نَروي مَآثِرَهُ البديعةَ التي أَتَمَّها من أجلِ خلاصِ البشر؛ أو نُذيعُ السِّرَّ العظيم، سِرَّ تجسُّدِ ابنِ الله وحكمتِه".
الرعيّةُ تلتئمُ بِنَفْسٍ واحدةٍ لِتَرفَعَ الصَّلَواتِ والطّلباتِ بِلِسانِ شمّاسٍ أو كاهنٍ أو رئيسِ كَهَنة، وتَقرأُ وَتُرَتِّلُ وتَخشَع... والتّرتيلُ أحدُ العناصرِ الهامّةِ في هذه العِبادة. دَورُهُ أن يُلبِسَ الكَلِماتِ ثَوبًا مِن نُور، مُظهِرًا ما خَفِيَ من أَلْفاظِها وَمَعانِيها، بِحَيثُ لا تَعبُرُ النُّصوصُ في الأثيرِ دُونَ أن تَعبُرَ في آذانِ المُؤمنينَ الحاضرينَ وَأذهانِهِم وَقُلُوبِهم. وإذا تشتّتَ ذِهنُ المُصَلّي في أثناءِ الصلاة، تأتي الألحانُ لِتُساعدَهُ على جَمعِ ذهنِهِ وعلى التركيز، لأنّها لُغةٌ أسمى مِنَ لغةِ الأحرفِ والكلمات، وأنقى.. وكأنّها ليست مِن هذا العالَم. الأنغامُ الموسيقيّةُ وُضِعَتْ مع نُصُوصِ الصَّلاةِ لِتَرفَعَنا.. لِتُشعِرَنا بالحضورِ الإلهيّ.. لِتُؤَجِّجَ فينا الشَّوقَ إلى ملكوتِ السَّماوات.
الأنغامُ الموسيقيّةُ تَحمِلُ الكَلماتِ وَتُساهِمُ في دخولِ معانيها إلى قلوبِ المؤمنين. إنْ فَهِمْتَ الكلماتِ مِن مُجرَّدِ القراءة، فستَفهمُها أكثرَ إذا كانت مصحُوبةً بِالأنغامِ الجميلة.
 
 
- بين الترتيل الجَماعيّ والترتيل الإفراديّ:
ولا يَخفى عليكم أنّ التنغيم جزءٌ مِن منظومةٍ ليتورجيّة متكاملة: قراءة، تنغيم، هيكل، شعب، ترتيل رشيق، ترتيل بطيء، بخور، زياح، شموع، صلبان، رايات، أيقونات... هذا التنوُّعُ الغنيّ والرائع رتّبَهُ آباؤُنا لكي نُصَلِّيَ بطريقةٍ أفضل.
وَهُنا تُطرَحُ مسألةٌ هامّة: أيُّهما أفضلُ الترتيل الجماعيُّ أم الترتيلُ الفرديّ؟ وهذه مسألةٌ جَدَلِيّة، لأنّ كُلًّا مِنَ النَّوعَينِ له أهمّيّتُه وله دَورُه في تاريخِ كنيستِنا. ولستُ في هذا اللقاءِ في معرِضِ الكلامِ عن ذلك تفصيلًا، إلّا أنّني أَوَدُّ أن أُشِيرَ إلى ضرورةِ كُلٍّ منهما وفائدتِه.
فالترتيلُ الجَماعيٌّ، إنْ وُجِدَتْ مجموعةٌ مُتَناغمةٌ من المرتّلين، أو رعيّةٌ حيّةٌ تُصَلّي باستمرارٍ معًا، مُفضَّلٌ على الإفراديّ، إذِ المؤمنونُ جميعًا، أو على الأقلّ مجموعةٌ منسجمةٌ منهم، تَرفَعُ تسبيحًا يُحاكي تسابيحَ الملائكة، وبأصواتِها المُتَّحدةِ تُشيرُ إلى اتِّحادِ النُّفوسِ والمَشاعرِ والقُلُوبِ في التَّوَجُّهِ نحوَ الخالق. الترتيلُ الجَماعيُّ يُعَزِّزُ الأُلْفةَ بينَ أبناءِ الرعيّة، وَيُجَنّبُ المؤمنَ خطرَ السُّقوطِ في فَخِّ الأَثَرة.
والترتيلُ الفرديُّ مُفضَّلٌ في بعضِ التراتيلِ الصَّعبةِ التي لا يُمكنُ للمجموعةِ أن تُؤَدِّيَها. وليسَ هذا فحسب، بل لا يُمكنُنا أن نستغنيَ عن المرتِّلِينَ الإفراديّينَ الموهوبِين، الذين يُتقِنُونَ أُصُولَ الترتيل، وهو أمرٌ غيرُ ممكنٍ لسائرِ المؤمنين، إمّا لافتقارِ الكثيرين منهم إلى الموهبة، أو لانشغالِهم بأُمُورِهم الحياتيّة. في هذه الحال، يكون وجودُ المرتِّلِ المُنفرِدِ ضروريًّا جِدًّا لكي نَضمَنَ حُسنَ سَيرِ الخِدَمِ الليتورجيّة. وَلْنَفتَرِضْ وُجودَ مجموعةٍ من المرتّلين إلى جانبِه، فعندئذٍ يرتاحُ لأنّ الخدمةَ لا تقعُ على عاتقِه وحدَه، ويصيرُ التنسيقُ بينَه وبينَ المجموعة.
 
- ما هي العَثَرات في الترتيل:
هُنا نأتي إلى تجربةٍ يتعرّضُ لها عادةً المرتّلُ ذو الصوتِ القويّ أو الجميل، الذي يُحاوِلُ أن يستأثرَ بالترتيلِ دُونَ سِواه، وَيُريدُ أن يرتّلَ القِطَعَ المميَّزة، كمقطعِ الرَّسائل أو إقبلني اليوم أو اليوم عُلِّقَ أو الأكسيون استين... لأنّه يَرى نفسَه أفضلَ الموجودين. قد يكونُ هو الأفضل، وقد لا يكون. فحبّذا لُو تُرِكَ أمرُ تنسيقِ هذا الأمر للمُتَقدِّم، أي الأسقف أو الكاهن المسؤول.
تجربةٌ أُخرى يتعرّضُ لها المرتّلُ المُنفرِد، هي أن يُؤدّيَ الترتيلَ بطريقةٍ فيها الكثيرُ من التنميقِ والزخرفة، مُرتكِبًا خطأَين: الخطأ الأوّل هو تحويلُ الترتيلِ عن مَسارِهِ الصَّلاتيّ وهدفِه الروحيّ وجَعلُهُ هدفًا بحدِّ ذاتِه؛ والثاني هو تشويشُ طُلّابِ الترتيلِ مِن شبيبةٍ وأطفالٍ يستفيدون كثيرًا من الترتيلِ المُنضبطِ الذي يَسيرُ وَفْقَ قواعدَ ثابتة، فينشأونَ في جَوٍّ سليمٍ، وَيَبرُزُ مِن بَينِهم مُرتِّلونَ يخدمونَ الكنيسةَ لاحقًا. أمّا إذا كان المرتّلُ المُنفرِدُ يستعرضُ في كُلِّ مرّةٍ قُدُراتِهِ الصَّوتيّةَ والموسيقيّة، فلن يُفيدَ الرعيّةَ بِشَيءٍ، إذْ لن يتمكّنَ مِن تأسيسِ جوقةٍ وتعليمِ مُرتِّلين.
كُلُّ العبادةِ في الكنيسةِ الأرثوذكسيّةِ مُنظَّمةٌ: التبخير، الزياحات، الإنارة، الوقوف، الجلوس، الركوع. الترتيل أيضًا مُنظَّم، ولَهُ ألحانٌ قانونيّةٌ محدَّدةٌ وَفْقَ اعتباراتٍ ليتورجيّةٍ، بحيثُ يَدعَمُ جَوَّ الصَّلاة.
إِنَّ التَّرتِيلَ صَلاةٌ قَبلَ أن يكونَ فَنًّا، وَتَوبةٌ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ جَمالًا.
 
- الإيسوكراتيما:
هي مرافقة الجوق أو المرتّل المنفرِد بنغمةٍ ثابتةٍ على قرارِ اللحن، أي نغمةِ ارتكازِ اللحن. والمقصود بالقرار النغمة النهائيّة التي تستقرّ عليها الجُمَلُ الموسيقيّةُ لهذا اللحن. بهذه الطريقة يرتاح المرتّل وترتاح أُذن السامع.
قد تتغيّر الإيسوكراتيما ضمن الترتيلةِ الواحدة، مُماشاةً لِتَغَيُّرِ الجُمَلِ الموسيقيّة.
 
- الصُّوت النِّسائيّ في الترتيل:
فنّيًّا، تُقسَمُ أصواتُ النّساء إلى ثلاثِ فئات، وكذلك أصواتُ الرّجال، بحسب المدى الصوتيّ لكلّ فئة: قرار - وسط - جواب:
للنّساء :      Alto - Medso - Soprano
للرّجال:       Base - Bariton - Tenor
وفي الترتيلِ المنفرد لا نواجهُ مشكلةً، لأنّ كلَّ مرتّلٍ مُنفرِد يمكنُه أن يعتمدَ الطبقاتِ الموسيقيّةَ المناسبةَ لِصَوتِه. إلّا أنّ المشكلةَ تَبرُزُ في الترتيلِ الجَماعيّ، في الترتيلِ البيزنطيّ، لأنّ الجوقَ يتألّفُ من مجموعةِ منشدِين أو منشِدات، مختلفي الأصوات. في الترتيلِ السّلافيّ يَحلُّونَ المشكلةَ بإعطاء السطرِ الموسيقيّ المناسِب لكلٍّ من الأًصوات، إذ إنّ موسيقاهم غربيّةٌ تعتمدُ تعدّدَ الأصوات. أمّا في الترتيلِ البيزنطيّ، فثمّةَ مشكلةٌ عندَ الفَردِ غيرِ المنسجمِ مع المجموعة، فقد يَنفُرُ صوتُهُ، وقد يَتعَبُ في الإنشاد.
المشكلةُ إذًا ليست في أصواتِ النِّساءِ بِحَدِّ ذاتِها، بل في اختلافِ الفئاتِ الصَّوتيّة. إلّا أنّها تبدو أكثرَ حِدّةً متى اجتمعَ الرّجالُ والنِّساءُ مَعًا في التّرتيل، لأنّ فَرقًا إضافيًّا يَبرُزُ، وهو تَمايُزُ أصواتِ الرّجالِ والنِّساءِ بِعامَّةٍ.
ثَمّةَ مَن يُفَضِّلُ أصواتَ الرّجالِ على أصواتِ النّساء في الترتيل. رُبّما يعودُ هذا التّفضيلُ إلى طبيعةِ الموسيقى البيزنطيّة ونصوصِها الفخمةِ والمُغرِقةِ في التّقوى. أصواتُ الرِّجالِ قد تكونُ مناسِبةً لهذه الأجواء. ولكنّنا لا نستطيعُ أن نُعَمِّم، لأنّ بعضَ أصواتِ الرّجالِ لا تُساعدُ في الصَّلاة. القاعدةُ إذًا ليست مطلَقة. لذلك، نجدُ كثيرًا من الأصواتِ النّسائيّةِ الخشوعيّةِ الملائمةِ لِجَوّ الصلاة. ومتى وُجِدَتْ مجموعةً مُتجانسةٌ من النّساء، وَوُجِدَ مَن يُدرِّبُ ويقود، نَحصلُ على جوقٍ نسائيٍّ رائع، يخدمُ جوَّ الصّلاة تمامًا.
وثمّةَ مَن يقولُ بِفَصلِ أصواتِ النّساءِ عن أصواتِ الرجال. هذا يَصُحُّ فَنِّيًّا، ونحنُ نعتمدُه في تسجيلاتِ جوقةِ الأبرشيّة أحيانًا. ولكنْ، رعائيًّا، عليكَ أن ترى المواهبَ الموجودةَ مِن رجالٍ وَنِساء، وتُوَظِّفَها جميعًا في الخدمة، مُنَسِّقًا فيما بينَها.
 
- الفرقُ بين التراتيل الليتورجيّة والأغانيّ الروحيّة:
كُلُّ ما يُرَتَّلُ ضمنَ الكنيسةِ في خِدَمِها الليتورجيّةِ يندرجُ ضمنَ الترتيل، سواءٌ كانَ بروصوميا أو إيذيوملا أو ذكصاستيكون أو أنديفونا أو إكسابوستيلاري أو إرموس... كُلُّ هذه تراتيل، ولَها أماكنُها المحدَّدةُ المرتَّبةُ ضمنَ كُتُبِنا الطقسيّة. وحتّى إنشاؤُها الأدبيُّ له أُصُولُه. ومنها ما هو منثورٌ ومنها ما هو منظوم. وقد نظّمَها القدّيسُ يوحنّا الدمشقيُّ ضمنَ ثمانيةِ ألحان.
أمّا ما اصطُلحَ على تسميتِهِ في كنيستِنا الأرثوذكسيّةِ الناطقةِ بالضادّ بالأناشيد، فهو الأغانيُّ الرُّوحيّةُ والتَّربويّة، وَالهُتافاتُ (الصَّيحات) التي تُستعمَلُ في اجتماعاتِ الطُّفولةِ والشبيبة، وفي صفوفِ التعليمِ المسيحيّ.
التَّرتيلُ، بحسبِ أوامرِ آبائِنا القدّيسين، لا تُرافِقُهُ الآلاتُ الموسيقيّة، بَينما  النشيدُ يُمكِنُ أن تُرافِقَهُ الآلات.
التّراتيلُ صلواتٌ تتضمَّنُ التمجيدَ والتسبيحَ والشُّكرَ والتوبةَ والتضرُّع وما إلى ذلك، بكثيرٍ مِنَ الوَقارِ والرَّصانةِ والخشوع؛ أمّا الأناشيدُ فتتضمَّنُ أفكارًا تشجّعُ الناشئةَ والشبيبةَ على السَّيرِ في طريقِ الربّ، والْتِزامِ الحياةِ المسيحيّة. هي وسيلةٌ لِتأليفِ قلوبِهم ليشعروا بالانتماءِ إلى الكنيسة، وأداةٌ لتهذيبِ أفكارِهم وأحاسيسِهم.
التراتيلُ تُساعدُ في العِبادة، أمّا الأناشيدُ فتُساعدُ في التَّعليم.
التراتيلُ موجودةٌ في داخلِ الكنيسة، أمّا الأناشيدُ فتُغذّي نفوسَ المؤمنينَ وتَحُثُّهم على محبّةِ الكنيسة، وفَهمِ ما يوجَدُ في داخلِها. وبهذا المعنى، النشيدُ لا يُشَوِّشُ على الجَوِّ الطَّقسيّ، بل هو عنصرُ دَعمٍ وتحضير.
لذلك، قد نجدُ نشيدًا عن عيد الميلاد، أو الفصح، أو أيٍّ من الأعيادِ السيّديّة؛ وقد نجدُ نشيدًا عن أحدِ القدّيسِين، أو عن إحدى حوادثِ الخلاص. وقد نجدُ نشيدًا يتضمّن عقيدةً دينيّةً مباشرة، بهدفِ إيضاحِ هذه العقيدةِ وتثبيتِها في أذهانِ الرعيّة.