شرح كطافاسيات الميلاد

. محاضرة ألقاها قدس الأب نقولا مالك في كنيسة مار ماما كفرصارون، السبت في 9/12/2023

شرح كطافاسيّات الميلاد
*الأب نقولا مالك*
نرتّل كطافاسيّات الميلاد ابتداءً من 21 ت2 ولغاية 31 ك1 (وداع الميلاد). سنستخرجُ اليوم ما فيها مِن اقتباساتٍ من الكتاب المقدَّس، وسنُوضحُ ما فيها من كلماتٍ صعبة.
نَصّ الكطافاسيّات
1- المسيحُ وُلِدَ فمجِّدُوه، المسيحُ أتى مِن السّماواتِ فاستَقْبِلُوه، المسيحُ على الأرض فارتَفِعُوا. رتِّلي للرَّبِّ أيّتها الأرضُ كلُّها، ويا شعوبُ سبِّحُوهُ بابتِهاجٍ، لأنَّهُ قد تمجَّد. (التسبحة الأولى مِن سِفر الخروج: نشيد موسى الظافر بعد اجتياز البحر الأحمر: "لنسبح الرب فإنه بالمجد قد تمجد...")
2- (التسبحة الثانية مِن سِفر التثنية: آخِر نشيد لموسى قبل موته، وفيه توبيخٌ للشعب على جحودِه: "إسمعي يا سماءُ فأتكلّم، ولتسمع الأرض لأقوالٍ من فمي...")
3- لنصرُخْ نحوَ الابنِ المولودِ من الآب قبل الدّهور بدونِ استحالة، المسيحِ الإلهِ الّذي تجسّدَ في آخرِ الأزمنة من البتول بغيرِ زرعٍ هاتفين: يا من رفعَ شأننا، قدّوسٌ أنتَ يا ربّ. (التسبحة الثالثة مِن سِفر الملوك الأوّل: صلاة حنّةَ أمِّ صموئيل النبيّ تسبّح الله على مَنحِها ولدًا في عُقرِها: "تشدّد قلبي بالرب، ارتفع قرني بإلهي...)
4- أيّها المسيحُ المسبَّح، لقد خرجَ قضيبٌ من أصلِ يسّى، ومنهُ قد نبتَّ زهرةً من جبلٍ مُظَلَّلٍ مُدغِل، أيُّها الإلهُ المُنَزَّهُ عن الهَيُولى، فأتيتَ متجَسِّدًا من البتولِ الّتي لم تعرِفْ رجُلاً، فالمجدُ لقدرَتِكَ يا رَبّ. (التسبحة الرابعة مِن سِفر حبقوق:  تنبُّؤ حبقوق بتجسّد كلمة الله: "يا رب سمعتُ سماعك ففزعتُ...")
5- أيّها المحبُّ البشر، بما أنَّكَ إلهُ السَّلامِ وأَبو المَراحم، فقد أرسلتَ لنا رسولَ رأيِكَ العظيم، مانحًا ايّانا سلامَك. ولذا إذْ قدِ اهتدَينا لِنُورِ المعرفةِ الإلهيّة، فنحنُ نَدَّلِج من الليلِ مُمَجِّدِينَ لك. (التسبحة الخامسة مِن سِفر إشعيا، يَطلبُ فيها السلامَ والمعونةَ الإلهيّة: "من الليل تبتكر روحي إليك يا الله...")
6- إنَّ الحُوتَ البحريّ قد قَذَفَ مِن أحشائِهِ يُونان كما تقَبَّلَهُ سالِمًا نَظِيرَ الجَنِين، وأمّا الكلمة فلمّا حلَّ في البتول واتَّخَذَ مِنها جَسَدًا، وُلِدَ حافِظًا ايّاها بِدُونِ فَسادٍ، ولم تلحقْهُ استِحالةٌ، وَحَفِظَ والدَتَهُ بِدُونِ مَضَرَّة. (التسبحة السادسة هي ترنيمة يونان في جوف الحوت، غيرَ فاقدٍ الأملَ برحمةِ الله وإدراكِه: "صرختُ في حزني إلى الرب إلهي فاستجاب لي...")
7- إِنَّ الفتيةَ إذْ قد نشأُوا معًا على حُسنِ العِبادة، مُزْدَرِينَ بأَمرِ المُلْحِد، لم يَجْزَعُوا من وَعِيدِ النّار، لكنّهم كانوا يُرَتِّلونَ وهم قائمونَ في وسطِ اللهيب: مبارَكٌ أنتَ يا إلهَ آبائنا. (التسبحة السابعة مِن سِفر دانيال: صلاة عَزَريا أحد الفتية الثلاثة في أتون بابل: "مبارك أنت يا رب إله آبائنا...") (أسماء الفتية الثلاثة: شدرخ وميشخ وعبدناغو/حنانيا وميخائيل وعازريا)
8- نُسَبِّحُ وَنُبارِكُ وَنَسجُدُ للرَّبّ. إِنَّ الأتُّونَ النَدِيَّ قد صَوَّرَ رَسْمَ العَجَبِ الفائقِ الطَّبيعة، لأنَّهُ لم يُحْرِقِ الفِتيةَ الَّذِينَ تَقَبَّلَهُم، كما أنَّ نارَ اللاهوتِ لم تُحْرِقْ أيضًا مُستودَعَ البتولِ الّذي حَلَّتْ فيه. لذلك، فلنُسَبِّحْ مُتَرَنِّمِينَ وَقائلِين: لِتُبارِكِ الخَلِيقةُ بِأَسْرِها الرَّبّ، وَلْتَزِدْهُ رِفْعَةً مَدى الدُّهور. (التسبحة الثامنة مِن سِفر دانيال أيضًا: ترنيمة الفتية الثلاثة في أتون بابل: "سبحي الربَّ يا أعماله...")
9- عظّمي يا نفسي مَن هي أكرمُ قدرًا، وأرفعُ مجدًا من الأجنادِ العُلويّة. إنَّني أُشاهد سِرًّا عجيبًا مستغربًا، المغارةَ سماءً، والبتولَ عرشًا شاروبيميًّا، والمذودَ مَحَلاًّ شريفًا، الّذي اتّكأ فيه المسيحُ الإله، غيرُ الموسوعِ في مكانٍ، فلنُسَبِّحْهُ معظِّمين. (التسبحة التاسعة مِن إنجيل لوقا: ترنيمة والدة الإله خلال زيارتها لأليصابات "تعظم نفسي الرب..."؛ وتسبحة زخريا والد يوحنّا المعمدان "مبارك الرب إله إسرائيل...")
                             
- رتِّلي للرَّبِّ أيّتها الأرضُ كلُّها:  "رَتِّلوا لِلرَّبِّ ترتيلةً جديدة. رَتِّلي يا جميعَ الأرضِ لِلرَّبّ" (مز 1:95) ؛ " يا جميعَ الأرضِ هلِّلُوا لِلرَّبّ" (مز 1:99).
- المولودِ من الآب قبل الدّهور: المسيح إلهٌ حقيقيّ، واحدٌ مع الآب في الجوهر وفي الأزليّة.
- بدونِ استحالة: بدون انفصال. أي إنّ ولادتَهُ لم تتمّ في زمنٍ معيَّن ثمّ انتهت، إنما هي ولادة دائمة منذ الأزل وإلى الأبد، كولادة النور من النار، وولادة الشعاع من الشمس بدون انقطاع ولا انفصال لحظة واحدة ولا طرفة عين، فلا توجد نار بلا نور ولا شمس بلا شعاع.
- تجسّدَ: المسيحُ إنسانٌ حقيقيّ.
- في آخِرِ الأزمنة: "ولَمّا حانَ مِلْءُ الزَّمان، أرسلَ اللهُ ابنَهُ مولودًا من امرأةٍ" (غل 4:4)
- بغيرِ زرعٍ: "ها إنَّ العذراءَ تَحبَلُ وَتَلِدُ ابنًا وتَدعو اسمَهُ عِمّانُوئيل" (إش 14:7)
- قضيبٌ من أصلِ يسّى: يسّى هو والدُ داودَ الملك. وكان معروفًا أنّ المسيحَ المخلِّصَ سيأتي مِن نسلِ داود. "وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ" (إش 1:11-2) والقضيبُ هُنا هو صَولجان (عصا) المُلك: "لا يَزولُ قضيبٌ مِن يهوذا ولا مُشترِعٌ مِن صُلْبِه حتّى يأتيَ شيلون وله يكونُ خضوعُ شُعُوب" (تك 10:49). "كُرسِيُّكَ يا اللهُ إلى دهرِ الداهرين، قضيبُ مُلكِكَ قضيبُ استِقامةٍ" (مز 6:44). وفي الرسالة إلى العبرانيّين تأكيدٌ على أنّ المقصودَ هو الابن (عب 8:1)
- زهرة من جبلٍ مُظَلَّلٍ مُدغِل: يُكَنّى عن الربّ يسوعَ المسيحِ بالزَّهرةِ هُنا، والوَردةِ في قانونِ المديح: "افرحي يا من وحدها أفرعَت الوردةَ العادِمةَ الذُّبول". والجبلُ الظَّليلُ المُدغِل هو رمزٌ للعذراء النقية التي لم تعرف رجلاً، وقد ظلّلها الروح القدس فحبلت حبلاً بتولياً طاهراً وولدت المسيح ولادة بغير فساد.
- رسولَ رأيِكَ العظيم: وَرَدَ عندَ إشعيا: "هذَا أَيْضًا خَرَجَ مِنْ قِبَلِ رَبِّ الْجُنُودِ. عَجِيبِ الرَّأْيِ عَظِيمِ الْفَهْمِ" (إش 29:28)
- نَدَّلِج من الليلِ: في المعجم: "إدَّلجَ القَومُ": ساروا في آخِرِ الليل.
- قَذَفَ مِن أحشائِهِ يُونان كما تقبّلَهُ سالمًا نظيرَ الجنين: "وَأَمَّا الرَّبُّ فَأَعَدَّ حُوتًا عَظِيمًا لِيَبْتَلِعَ يُونَانَ. فَكَانَ يُونَانُ فِي جَوْفِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال" (يو 17:1). "10وَأَمَرَ الرَّبُّ الْحُوتَ فَقَذَفَ يُونَانَ إِلَى الْبَرِّ" (يو 10:2). أَخبَرَنا الربُّ يَسُوعُ أنّ هذه الأعجوبة صورةٌ مسبَقةٌ عن القيامة:
"جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ" (مت 39:12-40)
- وُلِدَ حافِظًا ايّاها بِدُونِ فَسادٍ: شُبِّهَ يونانُ بالجَنين: خرجَ يونانَ مِن جوفِ الحوتِ سالِمًا راجعًا إلى الحياةِ مِن جديد، كما يَخرُجُ الجَنينُ مِن بَطنِ أُمِّهِ إلى حياةٍ جديدة. ولكنّ الفرقَ بين الأعجوبتَين، أنّه في الأُولى يُونانَ هو الذي حُفِظَ سالِمًا، أمّا في الثانية فكلمةُ اللهِ فهو الذي حَفِظَ والدتَهُ.
- الفتيةَ الثَّلاثة: نجدُ خبرَ الفتيةِ الثلاثةِ الذي زجّهم نبوخذ نصّر في أتّونِ النارِ المتَّقدِ في الأصحاح الثالث من سِفر دانيال. الأوديتان السابعة والثامنة تُذكّرانِنا بتلك الأُعجوبةِ الباهرة، ثُمَّ تَربطانِها بحلولِ اللاهوتِ في بطنِ مريم. فكما أنّ النارَ لم تُحرِقِ الفتية، نارُ اللاهوتِ لم تُحرِق بطنَ مريم.
- سماءً.. عرشًا شاروبيميًّا: السماءُ مسكنُ الله "الربُّ في السماءِ شَيَّدَ كُرسِيَّهُ، ومملكتُه تسودُ على الجميع " (مز 19:102)، والشاروبيم عرشُه "ركبَ على الشاروبيمِ وطار، طار على أجنحة الرياح" (مز 10:17). بدلًا من السماء والشاروبيم لدينا هُنا المغارة والبتول. الشاعرُ الكَنَسِيُّ يتعجَّبُ من هذا السرّ: كيف يرتضي ساكِنُ السماء بسُكنى المغارة؟! والذي تحملُه الشاروبيم بحضنِ البتول؟!