العَرّاب... كيف نختارُه؟!

       العَرّابُ هُوَ الكَفِيلُ الّذي يُقَدِّمُ المَعمُودَ إلى الكَنيسَةِ، وَيَتَعَهَّدُ أمامَها بِرِعايَتِهِ والإشرافِ على تَنشِئَتِهِ على الإيمانِ المستقيم.
- فالوالِدُ والوالِدَةُ هُما مَسؤُولانِ عَنِ الطِّفْلِ تَنشِئَةً ورِعايَةً، إِلاّ أَنَّ الكَنِيسَةَ فَضَّلَتْ، مُنْذُ البِدايَةِ، أَلاّ تَكْتَفِيَ بِهِما كَمَسْؤُولَينِ عَنْ إِيمانِهِ، رُغْمَ ثِقَتِها بِدَوْرِهِما الفاعِلِ والمُباشَر؛
- وَأَفرادُ العائلةِ، وَسائِرُ الأَقارِبِ، هُم مَسؤُولُونَ عَنِ احتِضانِ الوَلَدِ، لِيَنْمُوَ في جَوٍّ إِيمانِيٍّ سَليم، إِلاّ أَنَّ الكَنِيسَةَ لَم تَعتَمِدِ اعتِمادًا كُلِّيًّا علَيهِم، رُغْمَ إِيلائِها إِيّاهُم دَورًا في غايةِ الأَهَمِّيّة؛
- وكذلكَ الرَّعِيَّةُ، بِأفرادِها، وَراعِيها، وَمُرَتِّلِيها، وَمُعَلِّمِيها، وَخُدّامِها، هِيَ مَسؤُولَةٌ أَيضًا عَنْ رِعايَةِ المَعْمُودِ، لأَنَّها البِيئَةُ الَّتي سَيَنْشَأُ فيها. ولكنْ، هَلْ هِيَ دائمًا مُلائِمَةٌ؟ وَمَنْ يَضْمَنُ ذلك؟!
       كُلُّ هذهِ العَناصِرِ، مُجْتَمِعَةً، نَعْتَمِدُ عَلَيها كَضَماناتٍ لِمَنْ نُعَمِّد. إِلاّ أَنَّ الكَنِيسة، وَمُنْذُ بِدايَتِها، كانَتْ تَتَطَلَّبُ شَخْصًا يَكُونُ مَسؤُولاً عَنْهُ بِشَكْلٍ مُباشَر. وَهذا الشَّخْصُ يَحْمِلُ على عاتِقِهِ مَسؤُولِيّاتِ أُولئِكَ جَمِيعًا، وَيَخْتَزِلُها في شَخْصِه. هذا الشَّخْصُ هُوَ العَرّاب.
       وليسَ صَحيحًا ما يَشِيعُ في بَعْضِ أَوساطِنا اليَوم، أَنَّ العَرّابَ لَم يَعُدْ لَهُ ذلكَ الدَّور، وَأَنَّهُ صارَ شَكْلِيًّا. هذا التَّفكيرُ خَطِيرٌ، خَلْفِيَّتُهُ الجَهْلُ، وَعَواقِبُهُ المُيُوعَةُ وَالتَّسَيُّب.
       إِذا كانَ العَرّابُ شَكْلِيًّا، وَإِذا كُنْتُمْ تَختارُونَهُ عَلى أُسُسٍ اجتِماعِيَّةٍ بَحْتَة، بَغَضِّ النَّظَرِ عَن إِيمانِه، فَاسْتَغْنُوا عَنْهُ نِهائِيًّا. خَيرٌ لَنا أَن نُجْرِيَ عِمادًا مِنْ دُونِ عَرّابِينَ في هذه الحال.
       إِذا كانَ فُلانٌ صَدِيقَكَ الحَمِيم، وَإِذا كُنتَ تُرِيدُ أَنْ تُقَوِّيَ أَواصِرَ الصَّداقَةِ بَينَ عائِلَتِكَ وَعائِلَتِه، أَلَم يَعُدْ أَمامَكَ مِنْ مَجالٍ لِذلِكَ سِوى تَكفِيلِهِ بِابْنِكَ المَعمود؟!! أَلَيسَ لَدَيكَ، في الأُطُرِ الاجتِماعِيَّةِ العَديدة، مِنِ احتِمالاتٍ أُخرى؟!! هذا اسْتِهْتارٌ بِالمُقَدَّسات.. لا بَلْ إِنَّهُ اسْتِحْياءٌ بِالرَّبّ أَمامَ النّاس.
       قَدْ يَكُونُ لَدَيكَ صَدِيقٌ حَمِيمٌ مُخْلِصٌ لا مَثِيلَ لَهُ في الدُّنيا، وَقد يَكُونَ أَقْرَبَ النّاسِ إلى قَلْبِكَ، وَقَدْ يَكُونُ غايَةً في اللُّطْفِ وَمِثالاً في الأُخُوَّةِ، وَقَدْ... وَقَدْ... وَقَدْ... إِلاّ أَنَّهُ لا يَفْقَهُ مِنَ الدِّينِ شَيئًا، أَوْ لا يَعْرِفُ عَتَبَةَ الكَنِيسَةِ إِلاّ في بَعضِ المُناسَباتِ القَليلة. وَمَنْ قالَ إِنَّ كُلَّ صَدِيقٍ مُخْلِصٍ هُوَ بالضَّرُورَةِ عَرّابٌ مُمتاز!!!
       وَقد يَكُونُ صَدِيقُكَ المُفَضَّلُ هذا مَسِيحِيًّا مِنْ طائفةٍ أُخرى، وقد يَكُونُ مُؤمِنًا وَمُهَذَّبًا، وَمُمارِسًا طُقُوسَ كَنِيسَتِهِ، وَيَتَحَلّى بِالصِّفاتِ المَسيحِيَّةِ الحَمِيدة... إِلاّ أَنَّهُ غَيرُ أُرْثُوذُكْسِيّ. وَمَنْ قالَ إِنَّ كُلَّ مَسِيحِيٍّ صالحٍ مِنْ طائِفَةٍ أُخرى هُوَ بِالضَّرُورَةِ عَرّابٌ مُناسِبٌ عِنْدَنا!!! هُوَ صالِحٌ في كَنِيسَتِه، وَبِحَسَبِ تَعالِيمِها وَطُقُوسِها. وَإِذا كانَ كَذلك، فَمِنْ واجِبِهِ أَنْ يُبَشِّرَ بِمَبادِئِها وَيُدافِعَ عَنْ تَعالِيمِها وَعاداتِها. هُوَ صالِحٌ لأَنْ يَكُونَ عَرّابًا في كَنِيسَتِهِ. وَإِذا كانَ كَذلك، فَمَنْ قالَ إِنَّهُ يَصْلُحُ بِالضَّرُورَةِ لأَنْ يَكُونَ عَرّابًا في الكَنِيسَةِ الأُرْثُوذُكْسِيَّة؟!!
       مَنْ لَهُ أُذُنانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ هذا الكَلام، وَلْيَعِ أَبْعادَهُ، لأَنَّ كَنِيسَةَ المَسِيحِ اليَومَ لا تُعانِي مِنَ التَّعَصُّبِ بِقَدْرِ ما تُعانِي مِنَ الجَهْل؛ وَلا تُمَزِّقُها التَّفْرِقَةُ بِقَدْرِ ما تُشَوِّهُها المُيُوعَة.
       إِذا كُنْتُمْ مُتَأَلِّمِينَ مِنِ انقِسامِكُمْ، فَواجِهُوهُ بِمَسؤُولِيَّةٍ وَصِدْق، لِكَي تَسْعَوا جاهِدِينَ بِكُلِّ الوَسائِلِ لِمُعالَجَةِ أَسبابِ هذا الانقِسام. لا تَخْجَلُوا مِنَ القَولِ "نَحْنُ" و"أَنتُمْ". نَعَمْ، نَحنُ اليَومَ مُنقَسِمُونَ وَهذا جُرْحٌ، لا بَلْ هُوَ عارٌ عَلَينا كَمَسِيحِيِّين. وَلكنْ لا نَهْرُبَنَّ مِنَ الإِقْرارِ بِهذا الجُرْحِ وَهذا العار، لأَنَّ التَّغاضِيَ عَنْ وُجُودِ المَرَضِ لا يَعْنِي عَدَمَ وُجُودِه، وَلا يُؤَدِّي إِلى البُرْءِ مِنْهُ؛ بَلِ الإِقرارُ بِوُجُودِ المَرَضِ، وَالتَّصرِيحُ بِآلامِهِ، وَالاعتِرافُ بِعَوارِضِه، هُوَ الَّذي يُؤَدِّي، بَعْدَ العِلاجاتِ المَطلوبة، إِلى الشِّفاءِ التّامّ.
       مَنْ لَهُ أُذُنانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ كَلامَ الحَقِّ، وَلْيَضَعْ فِي قَلْبِهِ أَنَّ إِرضاءَ اللهِ أَوْلى مِنْ إِرْضاءِ النّاس.