الإلحادُ المُعاصِر
الإلحادُ، لُغَةً، مِن فِعل "أَلْحَدَ"، وَمِن أبرَزِ مَعانِيه: ألحدَ الميتَ: دَفَنَهُ. ألحدَ السَّهمُ عَنِ الهَدَفِ: مالَ عنه. ألحدَ بِفُلانٍ: عابَهُ وقالَ فيه عاطِلاً. وأمّا التّعريفُ الّذي يَخُصُّنا فهو: ألحدَ عن الدِّين: حادَ عنه وطعنَ فيه وشكَّ في الله.
كُنّا نَظُنَّ أنَّ هذه الظّاهرةَ وَلَّتْ، ولا داعيَ للكلامِ فيها. ولكنَّ الواقعَ أنّها موجودةٌ في كُلِّ زمانٍ ومكان، وفي صُفوفِ النّاسِ المنتمينَ إلى كُلِّ الدّيانات.
وهنا، في لبنان، وفي أوساطِ الشبابِ الجامعيّ بخاصّة، ترتفعُ أصواتٌ تُقلِّلُ مِن شأنِ الدِّينِ عمومًا، وتَسخَرُ منه كمؤسَّسةٍ قائمةٍ على أوهامٍ متراكمةٍ من جِيلٍ إلى جِيل. فإذا قرأوا، مثلاً، أنّ كلمة "آمين" قريبةً لفظًا مِن "أمون" إله الشّمس عند المصريّين القُدَماء، استنتجوا أنَّ الدّياناتِ السّماويّة الّتي تستعمل كلمة "آمين" كثيرًا في طقوسِها، لم تأتِ بجديد، وأنّها لا تحمل الحقيقة. وَقِسْ على ذلك، كلّما قرأوا كتابًا عن ديانةٍ قديمة، أو شريعةٍ قديمة، ووجدوا شيئًا من تقاطُعٍ بينها وبين ديانةٍ سماويّة، راحوا يستنتجونَ، مخطئين، أنَّ الدّياناتِ السّماويّة ليست سوى تركيبةٍ بشريّةٍ قائمةٍ على الوهم.
كُلُّ هذا لكي يُعفوا أنفُسَهُم من الوصايا الّتي يأتي بها الدِّينُ، والّتي تطلبُ من الإنسانِ الْتزاماتٍ وتضعُ لَهُ ضَوابِطَ، وتُملي عليه بعضَ الأوامرِ والنَّواهي.
وإذا حصرنا موضوعَنا في الشبيبةِ المسيحيّة، نَتوجَّهُ إليهم بنداءٍ صادرٍ عن محبَّةِ الكنيسةِ لَهُم قائلين: لِماذا تُقاوِمُونَ الحقّ؟ لِماذا تختبئونَ خلفَ أصابعِكُم. أيُّ عاقلٍ يستطيعُ أن يُنكِرَ وجودَ الخالقِ وعظمتَهُ، بمجرّدِ التأمُّلِ في الخليقةِ، مِن أصغرِ مخلوقٍ فيها، إلى الضّخامةِ المَهُولةِ الّتي للأفلاكِ اللامتناهية؟! أيُّ امرئٍ يتمتّعُ بحدٍّ أدنى من المنطق يستطيعُ أن يُنكِرَ تجسُّدَ المسيحِ وظاهرةَ الكوكبِ الغريب، وهياج هيرودس وجريمته الشّنعاء بقتل الأطفال، وسائرَ الأحداث التي رافقتِ التجسُّد الإلهيّ، وكُتُبُ التاريخِ المعاصرة لتلكَ الأحداث قد أوردت كلَّ شيءٍ بالأسماءِ وبالتّواريخ؟! أم أيُّ إنسانٍ يَجرُؤُ على نُكرانِ عجائبِ المسيحِ الكثيرةِ والفائقةِ عقولَ البشر، أو نكران قيامتِه المجيدة من بين الأموات، وكُتُبُ التاريخِ الّتي كتبَها اليهودُ أعداءُ المسيح تذكرُ كُلَّ شيء وتثبتُه، بالإضافةِ إلى سجلاّت الدّولةِ الرّومانيّة؟!
أنتم أيّها الشّابّاتُ والشبّانُ المتعلِّمون.. كيف تَقبلونَ بأن تنغمسوا في الجهلِ إلى هذا الحدّ، تحتَ سِتارِ الثّقافةِ والإلمامِ والمعرفة. لعمري إنَّ ثقافتَكُم هي مجرّدُ تكرارِ أفكارٍ مُلحدةٍ التقطتُموها مِن أحدِ الملحدينَ المدَّعِينَ وتنقلونَها نقلاً أعمى دُونَ تحقُّقٍ ودونٍ بحث!
فعودوا إلى رُشدِكُم، ولا تُنكِروا وجودَ الشَّمسِ فيما النّاسُ جميعًا مبهورونَ بنورِها السّاطعِ، وأنتم أنفُسُكُم مستنيرونَ بها ومستدفئون! لأنَّ الحقيقةَ الّتي تُنكرُونَها، باستهتارٍ ولا مبالاة، هي الحقيقةُ الّتي تتعلّقُ بها حياتُكُم، وسعادتُكم، ونجاحُكُم، ووَعيُكُم.. والأهمُّ مِن كُلّ ذلك: خلاصُكُم.