أن نحفظَ أنفُسَنا بلا دَنَس
وَرَدَ في كتاب "بستان الرّهبان" أنَّ راهبةً شابَّةً جميلةً وقعَتْ في يَدِ أَحَدِ الفُرسانِ الّذي أرادَ إفسادَها. فقالَتْ لَهُ: تَمَهَّلْ قليلاً، لأنَّ بِيَدِي مِهنةً تَعَلَّمتُها مِنَ العَذارى، وَلا تَصلُحُ لِعَمَلِها إلاّ عَذراء، وإلاّ فلا نَفْعَ مِنها. فقالَ لَها: وما هِيَ؟ فقالَتْ لَهُ: هِيَ دُهْنٌ إذا دُهِنَ بِهِ إنسانٌ فَلَنْ يُؤَثِّرَ فيهِ سَيفٌ أو أيُّ نَوعٍ مِنَ الأسلحةِ البَتَّة، وأنتَ مُحتاجٌ إلى ذلكَ لأنَّكَ في كُلِّ وَقتٍ تَخرجُ للحَرب. فقالَ لَها: وكيفَ أتَحَقَّقُ ذلك؟ فأخَذَتْ زَيتًا وَوَجَّهَتْ إلَيهِ الكَلامَ قائلةً: إدهَنْ رَقَبَتَكَ، وأعطِني السَّيفَ كي أَضرِبَكَ بِهِ. فقالَ لَها: لا، بَلِ ادْهَنِي أنتِ رَقَبَتَكِ أوَّلاً، وأنا أَضرِبُ بالسَّيف، فأجابَتْهُ إلى ذلكَ بِبَشاشَةٍ، وأَسرَعَتْ فَدَهَنَتْ رَقَبَتَها وقالَتْ: إِضرِبْ بِكُلِّ قُوَّتِكَ. فاستَلَّ سَيفَهُ، وكانَ ماضيًا جِدًّا، وَمَدَّتِ القدِّيسَةُ رَقَبَتَها، وَضَرَبَ بِكُلِّ قُوَّتِه، فَتَدَحرَجَ رَأسُها على الأرض، وَرَضِيَتْ عَرُوسُ المَسيحِ أن تَمُوتَ بالسَّيفِ دُونَ أن تُدَنِّسَ بَتُولِيَّتَها. فَحَزِنَ الفارِسُ جِدًّا، وبكى بُكاءً عظيمًا، إذْ قَتَلَ مِثلَ هذهِ الصُّورةِ الحَسَنة، وأدرَكَ أنَّها خَدَعَتْهُ لِتُفْلِتَ مِنَ الدَّنَسِ وَفِعْلِ الخطيئة.
حَبَّذا لَو نَتَعَلَّمُ نحنُ اليَومَ، في عَصرِ التَّفَلُّتِ الأخلاقِيّ هذا، عَصرِ الإباحِيَّةِ الوَقِحَة، كيفَ نَصُونَ عِفَّةَ نُفُوسِنا وأجسادِنا!
حَبَّذا لَو تُدرِكُ فَتَياتُنا الحَسناواتُ أنَّ الجَمالَ يَكُونَ باقتناءِ البَراءَةِ لا البَذاءة. حبّذا لَو يَمتَلِكْنَ الحكمةَ الحقيقيّةَ فيتَّخِذْنَ الوَقارَ مَنهَجًا لا الإباحيّة، والعُمقَ لا السَّطحيّة. حَبَّذا لَو يَهرُبْنَ مِنَ الأفكارِ الباطلةِ الّتي باتَتْ سائدةً في مجتمعِ اليوم، والّتي تَنطَلِقُ مِن مَفهُومٍ كاذِبٍ لِلحُرِّيَّةِ والاستقلالِيَّة.
حَبَّذا لَو يَسمَعُ شُبّانُنا، وَهُمْ في رَيعانِ الشَّباب، نِداءَ الرُّوحِ القُدُسِ السّاكِنِ فِيهِم، وَيَصُمُّونَ آذانَهُم عَنْ سَماعِ نِداءِ هذا العالَمِ الخَدّاع. حَبَّذا لَو يَعرِفُ كُلُّ شابٍّ مَسيحِيٍّ أَنَّ كُلَّ فَتاةٍ تَقَعُ في طَرِيقِهِ هِيَ وَدِيعَةٌ ثَمينَةٌ، عليه أن يَحفَظَها، وأنْ يَرى صُورَةَ اللهِ الّتي فيها، وأن يَرتَقِيَ إلى مُستوى التّعامُلِ مَعَها كشخصيَّةٍ مُحتَرَمة، لا كأداةٍ لِلَّهْوِ والخطيئة.
فَلْنَحْفَظْ صُورَةَ اللهِ الّتي فِينا بَهِيَّةً مُشرِقَةً، وَلْنَصُنْ كَرامَتَنا غَيرَ مُلَطَّخَةٍ، لِنَكُونَ أَبناءِ أَبِينا الّذي في السَّماوات. آمين.