أنتَ والرُّوح

        مُخطِئٌ مَن يَظُنُّ أَنَّهُ يَعيشُ بِحَسَبِ رُوحِ الله، وَهوَ يُصغي إلى مشيئتِهِ الذّاتيّة.
       كَثيرًا ما نَقَعُ في فَخِّ الذَّكاء. الذّكاءُ فَخٌّ، يُشْعِرُكَ بِأَنَّكَ مُحِيطٌ بحقائقِ الأُمُور، بِحيثُ تستطيعُ أن تُدرِكَها وَتُحَلِّلَها وَتستقرئَ المواقفَ والظُّرُوف، وَتَصِلَ إلى كَذا وَكَيتَ مِنَ الاستنتاجاتِ اللامعة... الذَّكاءُ شَرَكٌ يَحبِسُكَ في عالَمِكَ الخاصّ، فتظُنُّ حُدُودَهُ هِي الكَون، وَتَرى نفسَكَ قابضًا على هذا الكَون، فتَرتاحُ نفسُكَ، وَتطمئنّ.
       ذَكاؤُكَ، في نِهايَةِ المَطاف، يَمنعُكَ منِ احتِرامِ آراءِ الآخَرِين، لا سِيّما إذا كانُوا أَقَلَّ ذَكاءً أو سِنًّا أو خبرةً في نَظَرك... فَيَكُونُ اعتِمادُكَ على مشيئتِكَ اعتِمادًا كاملاً... فَتَرُوحُ تُخَطِّطُ لِحَياتِكَ وَمُستقبَلِك منطلقًا من ذاتِكَ فقط، فترتطمُ بِجُدرانِ الخيبةِ والخذلان... فيطيرُ منكَ الشُّعورُ بالرّاحة والاطمئنان
       ولكنْ، ليسَ المطلوبُ أن تكونَ غبيًّا، بل المطلوب أن تعترفَ بأنّ في كلِّ إنسانٍ آخَر بعضًا من الذّكاء... وقد يكونُ أذكى مِنكَ بكثير، أو أكثرَ خبرةً!!
       وَقَبْلَ هذا، وَفَوقَه، المطلوبُ أن تُخضِعَ ذكاءَكَ المَزعُومَ لِمِجْهَرِ الرُّوحِ القُدُس، الّذي تَتَجَلّى لَكَ مَشيئَتُهُ عَبْرَ استِقامَةِ السِّيرَةِ، وَحَياةِ الصَّلاةِ، والاِستِرشادِ بِنصائحِ أَبيكَ الرُّوحِيّ.
       فَما تَراهُ أَنتَ مُوافِقًا، في كَثيرٍ مِنَ الأحيانِ لا يَكونُ كذلك. فقد يكونُ مُوافقًا بِمعنى أنَّهُ يُرِيحُكَ... إِلاّ أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ السّاكِنَ فِيكَ -لَو أَصغَيتَ إلى صَوتِه- لا يُرِيدُكَ أن تَرتاحَ، لِئَلاّ يَغْدُرَكَ الشِّرِّيرُ الكَثِيرُ الحِيَل. لأَنَّكَ، متى صِرْتَ حَكَمًا لِنَفْسِكَ، قَد تَتَساهَلُ مَعَ نفسِكَ مُختارًا الحُلُولَ السَّهْلة... ولكنْ، ما أَدْراكَ ما هِيَ مشيئةُ الله حِيالَ هذا الأمر؟! رُبَّما -لَو أَصغَيتَ جَيِّدًا إلى صَوتِه- سَمِعْتَهُ يَقول: أَنا أَدعُوكَ إلى حَمْلِ الصَّليب.. فَهَلُمَّ وَرائي يا تلميذي، لأَنَّكَ لستَ أَفضَلَ مِنِّي أنا المُعَلِّمَ والرَّبّ.. أَنا أَرْسَلْتُ إِلَيكَ رُوحِيَ القُدُّوس، لا لِتُعَطِّلَهُ وَتَتْرُكَ حَياتَكَ بِلا ثَمَرٍ، بَلْ لِيَجْرِيَ مِنْ بَطْنِكَ أَنْهارَ ماءٍ حَيّ.