حَربُنا ضِدَّ الشَّيطان

       الإنسانُ في هذا العالَم كَمَنْ يَعيشُ في بَلَدٍ مَوبُوء. إنْ لم يتَّخِذِ الاحتياطاتِ اللازمة واللقاحاتِ الضّروريّة، لا يستطيعُ أن يحميَ نفسَهُ من الوَباء، وتاليًا، يخسرُ حياتَه.
       والوَباءُ هُوَ الخطيئةُ الّتي يُناوِرُنا بها الشَّيطانُ، ناصِبًا أَشراكَهُ عَنِ اليَمِينِ وَعَنِ اليَسار، وَفي كُلِّ دُرُوبِنا وَمَسالِكِنا. ويَكفيه أنْ نَسقُطَ في إحداها ذاتَ مَرَّةٍ لِكَي يَشمَتَ بِنا أَمامَ العَلِيّ، وَلِكَي يُفْقِدَنا الرَّجاءَ بِرَحمَتِه، فَيُبْعِدَنا عَن خَلاصِنا.
       إلاّ أنّ المشكلةَ الكُبرى لَيست الخطيئةَ بِحَدِّ ذاتِها، وَلا الشَّيطانَ نفسَه، بَل هِيَ بُعدُنا عَنِ الأساليبِ الصحيحةِ لِمُواجَهَةِ هذا النَّوعِ مِنَ الأوبئة. وَالمطلوبُ أمران:
1- الجِهادُ الشخصيُّ ضِدَّ الكِبرياءِ وَالعُجْبِ والأنانيةِ وَحُبِّ المال، وذلكَ بِسَعْيٍ دَؤُوبٍ لاكتسابِ التَّواضُعِ الحَقّ والوَداعةِ الحَقّة، وَمُمارَسَةِ المَحَبَّةِ السَّمُوحِ والمِعطاء، واكتسابِ العِفَّةِ والتَّقَشُّفِ، مهما كَلَّفَ الأمرُ مِن تَعَبٍ وَمِن تَضحيات. فإذا سارَ الإنسانُ في هذا المَسْلَك، مُتَخَلِّيًا عَنِ التَّعَلُّقِ بالدُّنيا وَما فيها، يَكُونُ قد وَضَعَ نفسَهُ في بيئةٍ روحيَّةٍ سليمةٍ، تُعطيهِ مَناعةً مُناسِبَةً ضِدَّ الوَباء.
2- مُلازَمَةُ الطَّبيب؛ ذلكَ أنَّ جُهُودَنا الشّخصيَّةَ، مهما عَظُمَتْ، لا تَستطيعُ وحدَها أن تُبرِئَنا، ما لَمْ نَلتَصِقْ بِيَسُوعَ، طَبيبِ النُّفُوسِ والأجساد. تمامًا كما أنَّكَ إذا كُنتَ سَقيمًا، بِمَرَضٍ جَسَدِيَّ، لا تستطيعُ أن تَشفِيَ نفسَكَ، مَهما اتَّخَذْتَ مِنَ التَّدابِيرِ الوِقائيَّةِ، ما لَم تَلجَأ إلى طبيبٍ يُحْسِنُ تشخيصَ المَرَضِ، وَيَعرفُ أنْ يَصِفَ لَكَ الدَّواءَ المُناسِب، أو يُجرِيَ لَكَ العمليَّةَ الجِراحِيَّةَ المُناسِبة. هكذا أيضًا في ما يتعلَّقُ بِوَباءِ الخطيئة، وَكُلِّ الأمراضِ الرُّوحِيّة، مِنَ الحِكمةِ ألاّ تعتَمِدَ على جِهادِكَ الخاصّ، مِن أَصوامٍ وَصَلَواتٍ وَمُحارَبَةٍ للتَّجارِب. لأنَّ هذه كُلَّها، بالرّغمِ مِن صِحَّتِها وَفَعالِيَّتِها، لا تَنفَعُكَ إذا كُنتَ تَفعَلُها بِإرشادِ ذاتِكَ لِذاتِكَ. عَلَيكَ أن تُلْزِمَ نَفسَكَ طاعةَ أَبٍ رُوحِيٍّ مُستَنير، تَسمَعُ مِن خِلالِهِ صَوتَ رَبِّنا وَمُخَلِّصِنا يَسُوعَ المسيح، وَمِن خِلالِ إرشاداتِهِ وَتَوجِيهاتِهِ، تَسِيرُ في تطبيقِ وَصايا الإنجيل. بهذه الطّريقة، تكتسبُ تلكَ القُوَّةَ الفائقةَ الطّبيعة، الكامِنَةَ في تلكَ الوَصايا، وتكتسبُ التّواضُعَ الّذي يُماثِلُ تَواضُعَ رَبِّنا، وَتَنالُ الشِّفاءَ الكامل.