الحَسَدُ البَغيض

       يُحاوِلُ الإنسانُ المسيحيُّ اكتِسابَ الفضائلِ، جاهِدًا في سَبيلِ ذلكَ العُمرَ كُلَّه. ويَشعرُ بالرّضا كُلَّما تَسنّى لَهُ القِيامُ بِعَمَلٍ صالِحٍ، أو إسداءُ خدمةٍ ما، مِن شأنِها بَثُّ السَّلامِ والطُّمَأنينةِ في نُفُوسِ الآخَرِين، أو خِدمَةُ الكَلِمَةِ الإلهيّةِ والسَّعيُ إلى خلاصِ النُّفُوس...
       والسُّؤالُ المطروحُ في هذا المجال هُوَ، ما الّذي يُشعِرُكَ بالرِّضا؟ هَل هُوَ عَمَلُ الخَيرِ بِحَدِّ ذاتِه؟ هَل هُوَ الْتِماسُ رِضا الرَّبّ؟ أم هُوَ شُعُورُكَ بأهمِّيَّةِ نفسِكَ، وَرِضاكَ عَن صُدُورِ الخَيرِ عنكَ أنتَ دُونَ سِواك؟!
       لا شَكَّ أنّنا مَدْعُوّونَ لِصُنعِ الفضيلةِ دَومًا، وَلِلسُّلُوكِ في الأعمالِ الصّالحةِ الّتي أَعَدَّها الله. ولكنْ، يجبُ ألاّ يَغيبَ عن بالِنا أنَّ اللهَ هُوَ صاحِبُ الفَضلِ، وأنَّ المجدَ يَعُودُ إلَيهِ في كُلِّ الأحوال. وَعَليه، فإذا قامَ الإنسانُ بالعَمَلِ الإلهيِّ الصّالح، يَفرحُ بِمُجَرَّدِ حُدُوثِ هذا الأمر، أوَّلاً وقَبلَ فَرَحِهِ بأيِّ شيءٍ آخَر.
       وَرُبَّ مُتسائل: وَما الضَّيرُ في أن يَفرحَ الإنسانُ بِكَونِهِ ساهَمَ في العَمَلِ الإلهيّ؟ أَلَيسَ هذا بَدَهِيًّا؟ والجوابُ: بَلى، إنّهُ بَدَهِيٌّ، لا بَلْ هُوَ مُبارَكٌ وَمَغبُوطٌ هذا الفَرَحُ الّذي يَصيرُ في النَّفْسِ المُؤمنةِ مِن جَرّاءِ إدراكِها أنَّها استَطاعَتْ أن تُساهِمَ في عَمَلِ اللهِ على الأرض، وَفي رَفعِ القُلُوبِ والحَناجِرِ بِالتّسبيحِ لِمَجدِهِ الإلهيّ. هذا كُلُّهُ لا عَيبَ فيه.
       وَلِكَي نَجْلُوَ حقيقةَ هذه المسألة، نُجِيبُ على السّؤالِ بِسُؤال: لِنَفتَرِضْ أنَّ هذا الأمرَ الصّالحَ، بَدَلاً مِن أن أَقُومَ بِهِ أنا، قامَ بِهِ آخَرُ، وَحَقَّقَ النّتيجةَ الصّالحةَ المَرجُوَّةَ الّتي كُنتَ أتَوَخّاها. وَلْنَفتَرِضْ أنَّني كُنتَ أنا المُرَشَّحَ لِلقيامِ بِهذا العَمَلِ، وَسَبَقَني ذاكَ الآخَر؛ فما تَكونُ النّتيجة؟ هَل أَفرحُ بالقَدْرِ ذاتِه؟ هَل أكونُ حِيادِيًّا؟ أم هَل أشعرُ بالغَيظِ وعَدَمِ الرِّضا، كَونَ العَمَلِ الصّالحِ لَم يَتِمَّ عن طريقي أنا، بل عن طريقِ سِواي؟
       عندَ هذه النُّقطة، صارَ بإمكانِنا تقديمُ الإجابةِ الحاسمة: إذا اختَبَرتَ المَوقِفَ الأخير، فأنتَ مُصابٌ بِمَرَضِ الحَسَد، وَهُوَ مَرَضٌ رُوحِيٌّ بَغِيضٌ، لا بَل قَتّال؛ ذلكَ أنَّهُ يُفقِدُكَ صِدْقِيَّةَ علاقَتِكَ بالرَّبِّ يَسُوع، وَيُذْهِبُ سَلامَكَ وَفَرَحَكَ الدّاخِلِيَّين، وَيَرسُمُ علامةَ استفهامٍ كَبيرَةً حَولَ المحَبَّةِ الّتي تَدَّعِيها، وَالّتي بِدُونِها يَنفَرِطُ عِقدُ الفضائلِ كُلِّها.