حول الأوزان

       ما أَكْثَرَ ما نَقَعُ في كُتُبِنا الطَّقسيّة على كلمة "وزن" مقرونةً بعبارةٍ أعجميّة، مثل "وزن أوس جانيون" أو "وزن شيريس أسكيتيكون" أو "أولين أبو ثاميني"؛ أو مقرونةً بعبارةٍ عربيّة تُشيرُ إلى اسمِ ترتيلةٍ مجهولة، مثل "وزن يا مُزَيِّن السّماء" أو "وزن إسمعي أيّتها النّسوة"! فما مَفادُ كلمة "وزن" في عباراتٍ كهذه؟
       "الوزنُ" هُنا وَزْنٌ شِعْرِيٌّ. لقد عُرِّبَتْ طُقُوسُنا عن اللغة اليونانيّة، وَكَثيرٌ مِنْ نُصوصِ تراتيلِها شِعْرٌ مَوزونٌ. فالَّذِينَ عَرَّبُوا هذهِ النُّصُوصَ، اهتَمُّوا بالأمانةِ للمَضمُون، فَخَرَجَتْ نُصُوصُهُمُ المُعَرَّبَةُ نَثرًا، ليسَ فيها مِنَ الوزنِ الشِّعريِّ شيء. وَلِلأمانةِ العِلميّة، أَبْقَوا على رأس كُلٍّ من هذه التّراتيل اسم الوزن الّذي نُظِمَتْ عليه.
       هُنا، وَجَدَ المُرَتِّلُ العربيُّ نفسَهُ إزاءَ أمرٍ مُرْبِكٍ: فَأَمامَهُ نَصٌّ نَثْرِيٌّ عَلَيهِ أن يَتعاطى معهُ كَما يَتعاطى مَعَ نَصٍّ شِعْرِيّ. وَإِذا أَرادَ أن يَتَعَرَّفَ إلى الوَزْنِ الشِّعْرِيّ المَزْعُوم، عليهِ أن يعودَ إلى الكُتُبِ الليتُورجيّة والموسيقيّةِ اليونانيّة- إذا كانَ بِإمكانِهِ أن يَقرأَ اليونانيّةَ- وأن يُطَبِّقَ الوَزْنَ الأَصْلِيّ على النّصّ المُعَرَّب، وهذا الأخيرُ نثرٌ لم يُراعَ فيه الوَزنُ الشِّعرِيّ.
       الحَلُّ الأَمثَلُ للخُرُوجِ مِن هذا المأزِقِ هُوَ في إعادةِ صِياغَةِ نُصُوصِنا المُعَرَّبَةِ، لِتَقريبِها قَدْرَ الإمكانِ مِنَ الوَزْنِ اليُونانِيِّ الأصلِيّ، مَعَ الأمانةِ للمَضامِينِ اللاهُوتِيّة. والمُحاوَلاتُ الأولى في هذا السّبيلِ كانت للمرحوم الأستاذ "متري المرّ"، في تراتيلِ صلاةِ الخَتَن، وقانونِ المديح، وبعضِ القِطَعِ في أعيادٍ مختلفة. وبعدَهُ، جاءَ الأبُ نقولا مالك، وأكملَ المسيرةَ، معَرِّبًا أشهَرَ الأوزانِ اليُونانيَّةِ الأصليّة، لكي يتسنّى للمرتِّل العربيّ الاطِّلاعُ عليها باللُّغَةِ العَرَبِيّة، دُونَما حاجةٍ للرُّجُوعِ إلى اللُّغةِ اليونانيّة. وهكذا يتمكّنُ هذا المرتِّلُ مِن أداءِ التّراتيلِ الموزونةِ، مَتى حَفِظَ نماذِجَها الأُولى.
       وَمِنْ أشهرِ ما ضَبَطَهُ الأبُ نقولا حتّى الآن، خِدمةُ البراكليسي الصّغير لوالدةِ الإله، معَ عدَّةِ قوانين براكليسي لِعدّةِ قدّيسين؛ وكاطافاسيات سبت لعازر؛ وتراتيلُ عديدةٌ لمختلفِ الأعياد، منها كاثسماطات صلاة السَّحر لتذكار قطعِ هامة النّبيّ السّابقِ المجيد يوحنّا المعمدان، الّتي ستسمعونها في هذه الأمسيّة.
       وَما اهتمامُنا بِضَبْطِ التّراتيلِ على أوزانِها الشّعريّةِ الأصليّةِ إلاّ مِن بابِ حِرْصِنا على تَيسِيرِ التّرتيلِ الجماعيّ، وَإفساحِ المجالِ أمامَ كُلِّ المؤمنِينَ للمُشارَكَةِ في الصّلوات؛ ذلكَ أنَّهم، متى سَمِعُوا لَحنَ ترتيلةٍ موزونة، سَهُلَ عليهِم أداءُ سائرِ التّراتيلِ الّتي نُظِمَتْ على الوزنِ نفسِه.