حول صلاة الخَتَن

       إبتداءً من عشيّةِ أحد الشّعانين وحتّى عشيّة الثّلاثاء العظيمِ المقدَّس، تَلحَظُ الكنيسةُ الأرثوذكسيّةُ خدمةً خاصّةً تُعرَفُ بِخدمةِ الخَتَن، حيثُ نُنشِدُ، في كُلٍّ مِن العشيّاتِ الثّلاث صلاةَ السَّحَرِ الّتي لِليَومِ التّالي. وتأتي الفكرةُ مِن مَثَلِ العذارى العَشْرِ الّذي يتكلّمُ فيه المسيحُ عن عُرسٍ رُوحِيٍّ يأتي فيه الخَتَنُ (العريسُ) في نصفِ الليل، وتكونُ بعضُ العذارى مستعدّاتٍ لاستقبالِهِ بالمصابيح، بينما تكون الأُخرَياتُ غيرَ مستعدّاتٍ، فَيُترَكْن، تالِيًا، خارجَ وَلِيمةِ العُرس (مت 1:25-13). يُقارِنُ الرَّبُّ ملكوتَ اللهِ بِخِدرٍ عُرْسِيّ. وفي تقليدِنا الآبائيّ أنَّ لهٰذا المَثَلِ علاقةً بالمجيءِ الثّاني للمسيح. وبهٰذا المعنى، يُعَلِّمُنا مَثَلُ العذارى العَشْرِ أنّنا بحاجةٍ إلى السَّهرِ والتأهُّب الرُّوحِيَّين، بِحَيثُ نتمكَّنُ من حفظِ الوصايا وتقبُّلِ بَرَكَةِ الاتّحادِ مَع الله في هٰذه الحياةِ وفي الدّهرِ الآتي.
       تَدُورُ نُصُوصُ صَلَواتِ الخَتَنِ حَولَ أيّام يسوعَ الأخيرةِ على الأرض، فَتَروي لَنا ما جرى لَهُ قَبْلَ آلامِهِ، وَما تَفَوَّهَ بِهِ مِنْ خُطَبٍ وَأقوالٍ وأمثال. وَمَواضيعُها: بُنُوَّةُ يَسُوعَ الإلٰهِيّة، مَلَكُوتُ الله، المجيء، تأنيبُ يسوعَ لِرِياءِ قادَةِ اليَهُود. أمّا الموضوعُ المركزيُّ فَهُوَ أنّه يجبُ علينا أن نكونَ دائمًا مستعدّينَ لاستقبالِ المسيحِ، الّذي هُوَ العريسُ الحَتمِيُّ لِلبَشَرِيَّةِ جَمعاء. طروباريّةُ الخَتَنِ تُعَبِّرُ عن هٰذا التّعليمِ بشكلٍ مُلائم: "ها هُوذا الخَتَنُ يأتي في نِصفِ اللَّيل...".
 
رُمُوزٌ مِن صلاةِ الخَتَن
       في صلاةِ الخَتَنِ الأُولى، عشيَّةَ أحدِ الشَّعانين، نتذكَّرُ أبانا يوسُفَ، الابنَ المحبوبَ لِيَعقوب، كَصُورَةٍ بارزَةٍ لِلعَهدِ القديم. نجدُ قصَّةَ يوسف في القسمِ الأخير من سفر الخروج (الأصحاحات 37-50). يُعتَبَرُ يوسُفُ، في التّقاليدِ الآبائيّةِ والليتُورجِيّة، رَمزًا للمسيحِ في حياتِهِ وموتِه، نَظَرًا لفضيلتِهِ وحياتِهِ المُمَيَّزة. قُيِّدَ يُوسُفُ، وَبِيعَ كَعَبدٍ إلى المصريّين، ولٰكنّه استعادَ كرامتَهُ في أرضِ مصر. كُلُّ هٰذا يُوضِحُ سِرَّ التّدبيرِ الإلٰهِيّ، والوَعدِ، والفِداء الّذي في المسيح. فَفِي هٰذه الرِّوايَةِ الكِتابِيَّةِ حَولَ حياةِ يُوسُف، وَكيفَ آلَ انسِحاقَهُ في مِصرَ إلى حياةٍ مجيدة، صُورةٌ مُسبَقَةٌ عَنِ المسيحِ الّذي تنازَلَ كَعَبدٍ إلى الجحيم، فَحَوَّلَ عُبُودِيَّتَهُ ومَوتَهُ إلى حياةٍ أبديَّةٍ لِكُلِّ جِنسِ البَشَر.
       وفي اليومِ نفسِهِ، تتذكَّرُ الكنيسةُ حادثةَ لَعنِ التّينةِ (مت 18:21)، الّتي ترمزُ إلى عُقمِ إسرائيلَ، إذْ أَخفَقَ في قَبُولِ المسيحِ واستيعابِ تعالِيمِه، كَما تَرمُزُ إلى دينُونَةِ الرَّبِّ لَنا إذا كُنّا غَيرَ مُثمِرِين. لَعنُ التّينةِ مَثَلٌ ولٰكِنَّهُ جاءَ بِفِعلٍ لا بِقِصّة.
       القراءاتُ الكتابيّةُ الّتي تُتلى في صلواتِ المساءِ في الأسبوعِ العظيمِ مأخوذةٌ مِن سِفرَي الخروج وأيّوب. والسَّببُ في ذٰلكَ واضحٌ، ألا وهوَ أنَّ سِفرَ الخروج يَروي قصَّةَ العُبُورِ الّتي كانت رمزًا لِعُبُورِ الإنسانيَّةِ كُلِّها مِن عُبُوديّةِ الموت إلى الحياةِ الأبديّةِ، عَبرَ تضحيةِ المسيحِ بنفسِه، ثُمَّ قِيامتِه. أمّا في سِفرِ أيّوب، فَلَدَينا خبرةُ التّغلُّبِ على الموتِ بِواسطةِ الصَّبرِ والثّقةِ المطلَقَةِ بالله، من خلالِ قدّيسٍ نموذجِيٍّ لَم يَكُن منَ اليَهُود، تَقَبَّلَ الإعلانَ الإلٰهِيّ، وتمتّعَ برُؤيةِ الله، صائرًا صُورةً مسبَقَةً لآلامِ المسيحِ وقِيامَتِهِ، وَلِكَونِيَّةِ الخَلاص.