القَرابينُ المَقبولة

       لَقَدْ أَعطى اللهُ الإنسانَ نِعمةَ الحياة، وَكَلَّلَهُ بِالمَجدِ وَالكرامة، وَسَلَّطَهُ على أعمالِ يَدَيه، ثُمَّ لَمّا سَقَطَ لَم يُعْرِضْ عنه، بل أعطاهُ ابْنَهُ الوَحيدَ مُخَلِّصًا. مُنذُ البَدءِ عَرَفَ الإنسانُ اللهَ مِعطاءً كَثيرَ الخَيرات، فَشَعَرَ بِرغبةٍ في التّعبيرِ عن امتنانِه، فَراحَ يُقَدِّمُ القرابينَ المُتنوِّعة: العُجُولَ وَالكِباشَ وَالتُّيُوسَ وَالأَطيارَ حِينًا؛ وَالحُبُوبَ وَالبُقُولَ وَالثِّمارَ حِينًا آخَر؛ وَالبَخُورَ والشُّموعَ وَلَوازِمَ بُيُوتِ العبادةِ طَورًا؛ وَبَذْلَ المالِ وَوَقْفَ الممتلَكاتِ أطوارًا؛ وَما إلى ذلكَ مِنَ التّقدمات.
       هذهِ القَرابينُ، بأشكالها وأنواعها، إِنّما تُمَثِّلُ حياةَ الإنسان، يُقَدِّمُها لُغَةَ شُكْرٍ لِلمُعطي، وَالْتِماسَ بَرَكَةٍ، وَإِعلانَ الْتِزامٍ بِمَشِيئَتِه الصّالحة.
       بِناءً عليه، يَجْدُرُ بِالإِنسانِ أَنْ يُقَدِّمَ أَفضلَ ما مَلَكَتْهُ يَمِينُه، بِفَرَحٍ وَسَخاء، وَبلياقةٍ واحتِشام.
       وَبِناءً عَليه، لا يَأتي المؤمنُ إلى بَيتِ الله بِتَقدماتٍ عَشوائيّة، لِئَلاّ تَكُونَ الكَنِيسةُ غَيرَ مُرَتَّبة، وَغَيرَ مُتَناسِقَةِ الأَثاث، فيها كَثيرٌ مِمّا لا لُزُومَ لَهُ، وَتفتقرُ إلى كَثِيرٍ مِنَ الضَّروريّات. قَدْ تَكُونُ عِندَكَ الغيرةُ على جَمالِ بَيتِ الله، ولكنَّكَ غَيرُ مُلِمٍّ أُو غَيرُ خَبيرٍ بِكُلِّ حاجاتِ الكنيسة. وَقَدْ تَهْدُرُ كَمِّيَّةً مِنَ المالِ على تقدمةٍ لا تحتاجُها الكنيسة، وَهذا المالُ خَليقٌ بأن يُزَوِّدَ الكنيسةَ بأشياءَ أكثرَ لُزُومًا، فتكونُ قد فَوَّتَّ على الكنيسةِ فُرصَةً مِنْ فُرَصِ تَحسينِها وَتطوِيرِها.
       كُلُّ شيءٍ  تُقَدِّمُهُ إلى بَيتِ اللهِ هُوَ قُرْبانٌ. فهل تُرِيدُ قُربانَكَ مِثلَ تَقدِماتِ قايينَ غيرِ المقبولة؟ أم تُرِيدُهُ مِثلَ تَقدِماتِ هابِيلَ الّتي تَنسَّمَ اللهُ منها رائحةَ الرِّضا؟ فالأَوَّلُ قَدَّمَ وَفقَ مَشيئَتِهِ وَعلى مِزاجِه، ساعِيًا إلى رِضاهُ الذّاتِيّ؛ أَمّا الثّاني، فَكانَ يَجتَهِدُ أن يُرْضِيَ الله، فَلَمْ يَبْخَلْ بِأَنْفَسِ ما عِنْدَه. الأَوَّلُ كانَتْ تهمُّه الأَنا، لِذلِكَ أَلْغى وُجُودَ أَخيه، وَأَنْكَرَهُ إِذْ لَيسَ هُوَ "حارِسًا لأَخيه"؛ أَمّا الثّاني فكانَ يهمُّه الله، وَمِن خِلالِهِ احْتَضَنَ أَخاهُ وَالكَونَ كُلَّهُ في قَلْبٍ سَلامِيٍّ مُحِبّ.
       عِندَما تُقَدِّمُ إلى اللهِ شيئًا ما، أَبْقِ الأَمرَ سِرًّا بَينَكَ وَبَينَ كاهنِ الرَّعِيّة، واحرصْ على أَلاّ يُكْتَبَ اسْمُكَ على ما تُقَدِّمُه، لا بَلِ اجْتَهِدْ على أن تَنسى أنتَ نفسُكَ ما قَدَّمْتَ، فَيكُونَ لكَ رَصِيدٌ وافِرٌ في ذاكرةِ اللهِ الأَبَدِيّة.