المحبّةُ الحقيقيّة
إِنَّ وَصِيَّةَ الرَّبِّ لَنا بِأَنْ يُحِبَّ بَعْضُنا بَعضًا لَهِيَ وَصِيَّةٌ أَساسِيَّةٌ، سَلَّطَ عَلَيها الرَّبُّ ضَوْءًا خاصًّا، حِينَ اعتَبَرَ وَصِيَّةَ مَحَبَّةِ القَرِيبِ الثّانِيَةَ في الأَهَمِّيَّةِ مُباشَرَةً بعدَ مَحَبَّةِ الله.
وَهذِهِ المَحَبَّةُ تَقتضي رِعايةً للآخَر، وَاحْتِضانًا لِحاجاتِه، وَتَعَهُّدًا لآلامِه. تَقتضي بَذْلاً وَتَعَبًا. إِذْ لا قِيمةَ لِمَحَبَّةٍ تَتَهَرَّبُ في وَقتِ الشِّدّة، وَتَتَنَصَّلُ إِبّانَ المِحنة.
ولكنْ، أَنْ أَحتَضِنَ الآخَرَ وَأرعاهُ وَأَتَعَهَّدَه، وَأن أَقِفَ إلى جانِبِهِ في ضِيقاتِهِ، لا يَعني مُطلَقًا أَنْ أُثْنِيَ على أخطائِه. فَكَثِيرُونَ يُسِيئُونَ فَهْمَ كَلامِ المَحَبَّةِ الوارِدِ أَعلاه، وَيُقَوِّلُونَ الرَّبَّ يَسُوعَ ما لَمْ يَقُلْهُ، إِذْ يُوَظِّفُونَ آياتِ الإنجيلِ في خِدمَةِ أَغراضٍ غَيرِ الأغراضِ الّتي رَمى إليها الرَّبُّ يَسُوع.
فَيَسُوعُ حِينَ أَوصى بِمَحَبَّةِ القَريب، وَأَلَحَّ عَلَيها، وَجَعلَها مِقياسًا لِلدَّينُونة، وَمَثَّلَ عَلَيها بِمَثَلِ السّامِرِيِّ الصّالح... لَمْ يَكُنْ يَقصدُ أَن يَعَلِّمَنا نُصْرَةَ الآخَرِ في انحِرافاتِه، بَل كانَ يُرِيدُ أَنْ يُشْعِرَ قَلْبَنا الرَّحمةَ حِيالَ آلامِ الآخَر. وَشَتّانَ ما بَينَ الاثنَين!!!
أَنا أُحِبُّكَ.. إِذَنْ أَرعاكَ وَأَعْطِفَ عَلَيكَ في حُزْنِكَ.. لا تَكُونُ أنتَ مَوضُوعَ شَماتَتي، بَل مَوضُوعَ حَناني، وَلا أَكُونُ أنا مَعَ الدَّهْرِ عَلَيك، بَل مَعَكَ لِتَنهَضَ وَتَصْمُدَ في كِفاحِكَ ضِدَّ المَصائب.. أَحْمِلُكَ في صَلَواتي. ولكِنَّ هذا لا يَمنَعُني عَن تَنبيهِكَ حِينَ تُخطِئُ، لأَنَّ مَحَبَّتي لَكَ لا تَرضى بِأَنْ أَراكَ تَنحدرُ نَحوَ جُبِّ الهَلاكِ الرُّوحِيّ وأنا واقِفٌ أُراقِب.. مَحَبَّتي لَكَ تَدْفَعُني دَفْعًا إلى تَوبِيخِكَ وَقَولِ الحَقِّ لَكَ مُواجَهَةً، مَهما كانَ هذا القَولُ مُزْعِجًا لَكَ وَمُنَفِّرًا. في هذا المَوقِفِ، لا أَكُونُ قد تَخَلَّيتُ عَنك -كَما تُصَوِّرُ لَكَ أَوهامُك- بَل أَكُونُ قد أَعلَنتُ رَفضي لانحِرافٍ لَيسَ مِنْ شِيَمِك، واستِنكاري لِمَسْلَكٍ خَبيبثٍ لا يُوافِقُ المَسيحَ الَّذي لَبِسْتَهُ في المَعموديّة.
فَيا أَخي في المَسيح، تَقَبَّلْ مَحَبَّتي الكامِلَةَ لَك، بِوُرُودِها وَأَشواكِها، وَلا تَنتَظِرْ مِنّي أَنْ أَرَبِّتَ لَكَ إذا ارتَكَبتَ خَطَأً.. فَأَنا أُحِبُّ صُورَةَ اللهِ الّتي فيك.. وَأَمْقُتُ ذُيُولَ الخطيئة.