المزامير

       المزامير أشعارٌ دينيّةٌ كان العبرانيّون يُرنِّمونَها في عباداتهم. وقد اشتقُّوا اسمَها من آلة المزمار التي كانت تُستعمَل مع غيرِها من الآلات في احتفالاتهم الدّينيّة.
       وقد غَلَبَ طابعُ التّسبيحِ والتّمجيد على بعضِ المزامير، مِمّا جَعَلَ العبرانيّين يُصَدِّرُونها أو يُذَيِّلُونها بعبارة "هللويا" (هلِّلوا للّه)، وهي هُتافُ تسبيحٍ وتمجيدٍ للّه. وأطلقوا على المزامير السّتّة المتتالية (112- 117) اسم "أناشيد هَلِّيلْ"، للسَّببِ عينِه، وكانوا يرنِّمونها في الأعياد والمواسم.
       وبما أنّ المزامير شعرٌ، فينبغي أن نُقاربَها بأحاسيسِنا، وأنْ نَضَعَ أنفُسَنا في الأَجواءِ الّتي كانت تكتنفُ المُرَنِّمَ حينَ وضَعَها. فيها نَجِدُ الشّكرَ، والذُّهولَ من عَظَمَةِ الخالق، والتّوبةَ، والحُزنَ، والرّجاءَ، والفرحَ، والفَخْرَ، وغيرَها مِنْ جَميعِ ما يُمكِنُ للإنسان في أيِّ زمانٍ ومكانٍ أن يشعرَ به أو يعيشَه.
       وينصحُنا الآباءُ القدّيسون أن نتلوَ المزامير من القلب، كأنّنا نحن واضِعوها. فنكشِفَ قُلوبَنا لِلّه "نَقِّني مِن زَلاّتي الخَفِيّة" (مز12:18)؛ وننزعجَ من الأَهواءِ الشّرّيرةِ الّتي تُحارِبُنا "لأنَّ العدوّ قد اضطهد نفسي، وأذَلّ إلى الأرضِ حياتي" (مز3:142)؛ ونتعلَّمَ الاتِّكالَ على الله لا على مُمتلكاتِنا "الأغنياءُ افتقروا وجاعوا أمّا الّذين يبتغون الرّبّ فلا يُعوزهم أيُّ خير" (مز10:33)؛ وَنُدَرِّبَ حَواسَّنا على تمجيدِ اللهِ على بَديعِ خلائقِه "السّماوات تذيع بمجدِ الله، والفلكُ يخبّرُ بعمل يديه" (مز1:18).
       وَحَسْبُنا أن تذكَّرَ أنَّ الرَّبَّ يسوعَ كان يتلو هذه المزاميرَ نفسَها الّتي نحنُ نتلوها، لاهجًا بها ليلَ نهارَ. ففي العشاءِ السِّرِّيّ  تَلا مع تلاميذِهِ مزاميرَ التَّسبيح، أَي "أناشيد هَلِّيلْ" المذكورةَ أعلاه؛ وعندما كان مُعَلَّقًا على الصَّليب تلفَّظَ بِمَطلع المزمور الحادي والعشرين "إلهي إلهي لماذا تركتَني" (مت46:27)؛ ولفَظَ أنفاسَهُ الأخيرة وهو يتفوَّهُ بالآيةِ الخامسة من المزمور الثَّلاثين "في يدَيكَ أَسْتَودِعُ رُوحي" (لو46:23). فنحنُ، عندما نُصَلِّي مُرنِّمينَ المزامير، نرتفعُ بالرُّوحِ لِنُعانِقَ رَبَّنا يَسوعَ الّذي تنازَلَ وعانَقَ بشريَّتَنا الضَّعيفة، ونُرَنِّمُ بِمُؤازَرَتِهِ هذه الأناشيدَ الرّائعة، بِتَضَرُّعٍ وحَرارة، مُتَّحِدِينَ به في نَوعٍ من تداخُلٍ سِرِّيٍّ كِيانيّ، هو القائل "أُثْبُتوا فِيَّ وأنا فيكُم" (يو4:15).
       مِمّا تَقَدَّم، نَفهَمُ سَبَبَ إِكْثارِ كَنيسَتِنا من قراءَةِ المزامير في كُلِّ صَلَواتِها. وليسَ هذا عارِضًا أو حديثَ العَهدِ، بل يَرقى إلى فَجرِ المسيحيّة وعبرَ كُلِّ عصورِها. ففي عهدِ القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم، على سبيلِ المِثال، كان للمزاميرِ النَّصيبُ الأكبرُ من التِّلاواتِ الطَّقسيّة، ويصفُ ذلك بقوله: "إذا سَهرنا اللَّيلَ مُصَلِّين في الكنيسة، نتلو التَّرانيمَ الدّاوديّة في البَدْءِ وفي الخِتام وفي الوسط. وإذا أردنا ترنيمَ التّسابيح في الصَّباح الباكر، وجدْنا البَدْءَ والختامَ والوسطَ لداودَ أيضًا. أمّا القدّيسُ باسيليوس الكبير فيقول: "إنَّ عِلْمَ اللاهوتِ كُلَّهُ مَوجودٌ بينَ طَيّاتِ المزامير".