تعالَوا لِنَسكَر

       العالَمُ مِن حولِكُمْ يملأ آذانَكم ضجيجاً، وَيَعزِفُ على أعصابِكُمْ معزوفاتِ العَربدةِ والإجرامِ والفَوضى. فماذا أنتم فاعلون؟ وما السّبيلُ إلى النّجاةِ مِن هذه الهجمة الشَّرسة؟ كيف تحفظونَ أذهانَكم سالمةً من التَّشتُّتِ ومن الشَّكّ؟
       أقولُ لكم: تعالَوا لِنَسكَرَ، لا بالخمرةِ "الّتي فيها الدَّعارةُ، بل امتلئوا بالرُّوحِ، مُكَلِّمينَ بعضُكم بعضاً بمزاميرَ وتسابيحَ وأغانِيَّ روحيَّةٍ، مُرَنِّمِينَ ومرتِّلينَ في قلوبِكم للرَّبّ"، على حسبِ ما جاءَ في الرّسالةِ إلى أهل أفسس (18:5-19).
       تعالَوا لِنَسكرَ، لا بالخمرةِ الّتي تَشُدُّنا إلى التُّراب، وتُخَدِّرُ فينا كُلَّ وَعْيٍ وَتَشُلُّ كُلَّ إرادة؛ بل بالرُّوحِ القُدس. وإنْ سألتُمُوني: "وكيف يكونُ ذلك؟" أُجيبُكم: بالتّرتيلِ المبارَك، بالإنشادِ الإلهِيّ، بالأنغامِ الملائكيّة. لأنَّ المشاعرَ السّاميةَ المحمولةَ على أجنحةِ هذا النّوعِ مِنَ الأنغام، كفيلةٌ بأن تُخَدِّرَ فيكُم لا الوَعْيَ بل الحقدَ والضّغينةَ وروحَ الخصومة؛ وتَشُلَّ فيكم لا الإرادةَ بل الكبرياءَ والعُجْبَ والأنانية.
       تَعالَوا لِنُنشِدَ المزاميرَ الّتي صَدَرَتْ عن خبرةِ نَفسٍ بَشَرِيّةٍ، عَرَفَتِ السُّقُوطَ والنُّهُوض، اختبَرَتِ الخطيئةَ وما فيها مِنِ ابتعادٍ عَن الشَّرِكَةِ معَ الله، والتَّوبةَ وَما فيها مِن سَماحٍ وَعَطفٍ وَاحتِضان، وَمُصالحةٍ مَعَ الله. وإذا سَمِعتُمُوها، فاتْرُكُوا لِقُلُوبِكُم عِنانَ التأمُّلِ، عَلَّها تَغرَقُ في مَشاعِرِ مَن صَدَرَتْ عَنه.. إسمَعُوها كَأنَّكُم أنتم قائلُوها.. إقرأُوها وأنشِدُوها كأنّها تتكلَّمُ عنكُم أنتم بالذّات.. وسوفَ تكتشفونَ نتائجَها المُذهلة: كيفَ تَجلُو الكَآبةَ عن نُفُوسِكُم، وكيفَ تشحَنُها بِطاقةٍ رُوحِيّةٍ إيجابيّة، تُساهِمُ في دَفْعِ مَسيرةِ حياتِكُمُ الرُّوحِيّةِ قُدُمًا.
       تَعالَوا لِنُنشِدَ تائبِينَ، تائقِينَ إلى رَحمةِ الله: يا اللهُ إلهي، إليكَ أُبَكِّر. إليكَ عطِشَتْ نفسي. كم مِن مرّةٍ تاقَ إلَيكَ جسدي، في أرضٍ جرداءَ لا طريقَ فيها ولا ماء. هكذا ظهرتُ أمامَك في قُدسِكَ، لكي أُعايِنَ قُوَّتَكَ ومجدَك. لأنَّ رحمتَك أفضلُ مِنَ الحياة، وشَفَتَيَّ تُسَبِّحانِك.