الطّعام المفيد

       عندما يشعرُ الإنسانُ بالجُوع، يَرغَبُ في تَناوُلِ الطَّعامِ لكي يَسُدَّ جُوعَه. وكذلكَ عندَما يَشتَمُّ رائحةَ طعامٍ شَهِيٍّ، فإنَّهُ يرغبُ في تناوُلِ الطّعامِ، لا سَدًّا لِجُوعٍ، بَلْ إشباعًا لِشَهوة.
       فالطَّعامُ إذًا لَهُ وَظيفتان: التَّغذية والإرضاء.
       على ضوءِ هذه الفكرة، إذا تأمَّلْنا بِقَولِ الرَّبِّ يَسُوع: "لَيْسَ بِالخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيا الإِنْسانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ"، نَتَعَلَّمُ أَنَّ الشَّخصيّةَ الإنسانيّة تَحتاجُ إلى وصايا الله كَحاجَتِها إلى الطَّعام. ولكنَّ الفارِقَ بَينَ الاِثنَين هُوَ أنَّ الأخيرَ مادِّيٌّ، نشعرُ بِهِ بالغريزةِ الطّبيعيّة، وَمِنْ ثَمَّ فَإِنَّ نِداءَهُ واضحٌ وَصارِخ؛ بَينَما كَلِمَةُ اللهِ خَفِيَّةٌ، تُخاطِبُ النَّفسَ خطابًا روحيًّا داخليًّا. نَشعرُ بحاجَتِنا إلى الطَّعامِ أكثرَ مِمّا نشعرُ بحاجَتِنا إلى كلمةِ الله.
       ولكنَّ عدمَ شعورِنا بحاجتِنا إلى كلمةِ الله لا يعني أنَّنا غيرُ محتاجِينَ إليها فعلاً. وَمَثَلُنا في ذلكَ مَثَلُ المريضِ الَّذي اشتَدَّت عليهِ الحُمّى وأفقَدَتْهُ شهِيَّةَ الأكل، مَعَ أنَّهُ بحاجةٍ ماسّةٍ إلى الأكلِ لِيَشتَدَّ؛ أو مَثَلُ الطِّفلِ الّذي يأبى تناوُلَ الدَّواءِ مَعَ أنَّهُ بحاجةٍ ماسَّةٍ إليهِ ليتعافى.
       فكثيرًا ما ننفرُ من شيءٍ، أو لا نستَسيغُهُ، أَو لا نطلبُهُ، وَيَكُونُ هذا الشَّيءُ ضروريًّا ومفيدًا لنا.
       أمّا السَّبَبُ في انعدامِ رغبتِنا بكلمةِ الله، وَمُجانَبَتِنا لها، وعدمِ الانكبابِ عليها، فيَكمُنُ في انشِغالِنا عنها بِأُمُورٍ كثيرة، أمورِ هذه الحياةِ الوقتيّة. نهتمُّ ونضطربُ بأمورٍ كثيرةٍ، فننسى أنَّ الحاجةَ إلى واحد. ونكونُ متضوِّرِينَ جُوعًا ومُلتهِبِينَ عَطَشًا، فَنَتَهالَكُ على مَشارِيعِنا وَمُخَطَّطاتِنا وَمَلاهِينا، وَفي ظَنِّنا أَنَّنا نُلَبِّي نِداءَ الجُوعِ والعَطَش، فَإذا بِنا نُراوِحُ مَكانَنا، وَلا نَشعُرُ بِرِضًا، وَلا يَقَرُّ لَنا بالٌ. لماذا؟ لأَنَّنا أَكَلْنا كُلَّ شيءٍ سِوى كَلِمَةِ الله، وَلأَنَّنا شَرِبنا مِن مَناهِلَ كثيرةٍ غَيرِ ذاتِ جَدوى، وَأَغفَلْنا ارتِشافَ الماءِ الحَيّ.
       فَلْنَعْكُفْ على الكُتُبِ المُقَدَّسَةِ، نَتَغَذّى منها ونَرتَوِي، فَهِيَ لَيسَتْ مُغَذِّيَةً وَحَسْبُ، بَلْ "أَشهى مِنَ الشَّهْدِ وَالعَسَل". آمين.