الوَعظ وَالاِتِّعاظ

       العِظَةُ فِقْرَةٌ أَساسِيَّةٌ مِنَ القُدّاسِ الإلهيّ، وَلها أَهَمِّيَّةٌ قُصْوى. وَمَعْلُومٌ أَنَّ القُدّاسَ مائدةٌ إلهِيَّةٌ سِرِّيَّةٌ، نَتَناوَلُ عليها الجَسَدَ وَالدَّمَ الإلهِيَّين، فَنَشْتَرِكُ في حَياةِ الـمَسِيحِ السِّرِّيـّة، وَنَتَقَدَّس. وَمَعْلُومٌ أَيضًا أَنَّ الكَلامَ الإلهِيَّ يأتِينا مِنَ التِّلاواتِ الـمُقَدَّسةِ عَبْرَ مَقطَعَيِ الرَّسائلِ وَالأناجيل. وَلا شَكَّ في أَهَمِّيَّةِ الأفاشِينَ الـمُتَنَوِّعَةِ، وَالطَّلِباتِ وَالتّراتيل وَالحَركاتِ اللِّيتُورجيّة. فَأَينَ العِظَةُ مِنْ كُلِّ ذلك؟
       لِكَي أَتَقَدَّمَ إلى مائدَةِ الرَّبِّ واثِقًا، تَأتي العِظَةُ لِتَخِزَ قَلْبي، وَتَحُضَّني على التَّوبَةِ وَتَغْيِيرِ الحَياة.
       لِكَيْ أَشْعُرَ أَنَّ الإنجيلَ لَيسَ حِبْرًا على وَرَقٍ، وَأَنَّهُ يُخاطِبُني بِشَكْلٍ خاصٍّ وَمُباشَر، وَأَنَّ مُبَرِّرَ وُجُودِهِ هُوَ تَطبيقِي لَهُ عَيشًا وَتَصَرُّفاتٍ، تَأتي العِظَةُ لِتُتَرْجِمَ لِيَ الإنجيلَ تَنْبِيهًا وَتَوبِيخًا وَتَقْوِيمًا.
       وَبَعْدُ، يا أَخي الـمُؤمن، فَإِنَّكَ مُعَرَّضٌ لِلوُقُوعِ في خَطَرَين:
أ- الأَوَّلُ خَطَرُ تَنْزِيهِ نَفْسِكَ عَمّا يَعِظُ الرّاعي: فَتَشْعُرُ بِالغِبْطَةِ لِما يَقُول، وَبِأَنَّكَ تُؤَيِّدُهُ في مَواقِفِه، وَبِأَنَّكَ مُؤتَمَنٌ وَإِيّاهُ على إِعلاءِ شَأْنِ إنجيلِ يَسُوعَ الـمَسِيحِ وَرَفْعِ قَرْنِ كَنِيسَتِه... فَتَنْزَلِقُ إلى إدانَةِ الآخَرِينَ دُونَ أن تَدْرِي. فَتَذَكَّرْ يا أَخِي أَنَّ الإنجيلَ لَكَ أَنتَ بالدَّرَجَةِ الأُولى، وَكُلَّما سَمِعْتَ عِظَةً، قُلْ: هذِهِ لِي أَنا، لأَنَّني مُقَصِّرٌ جِدًّا وَبَطّال.. هذا التَّأنيبُ أنا وَحدي أَسْتَحِقُّه. فَكِّرْ بِخَطاياكَ، وَلا تُفَكِّرْ بِخَطايا الآخَرِين.
ب- وَالثّاني خَطَرُ الإفْراطِ في تَطبيقِ الكَلامِ عَلَيكَ شَخصيًّا، حَتّى لَكَأَنَّ الكاهِنَ لا يُفَكِّرُ في أَثناءِ إلْقاءِ العِظَةِ إلاّ بِكَ أنتَ، مُتَّخِذًا مِنْبَرَ الوَعْظِ وَسِيلَةً لِلإيقاعِ بِك... فَتَنْزَلِقُ إلى التَّركيزِ على الأنا. فَاعْلَمْ أَيـُّها المؤمنُ الكَريم أَنَّ العِظَةَ النّاجِحَةَ هِيَ الّتي يَشْعُرُ كُلُّ مَنْ يِسَمْعُها أَنَّها تَنطَبِقُ عليهِ شخصيًّا. فَلا تَتَأَثَّرْ بِهذا الأمر، بَلِ اقْبَلْهُ بِكُلِّ بَساطَة، وَعَوِّدْ نَفْسَكَ الاِسْتِفادَةَ مِنْ كَلِماتِ الواعِظ بِفِكْرٍ مُنْفَتِحٍ، وَقَلْبٍ مُتَخَشِّعٍ مُتَواضِع.
       وَكَخُلاصَةٍ، كَلِماتُ الوَعْظِ هِيَ لَكَ كَما هِيَ لِسائِرِ الَّذِينَ في الكَنِيسة، شَرْطَ أَنْ يَتَعَهَّدَ كُلٌّ مِنْكُمْ أَمامَ الرَّبِّ أَنْ يُحارِبَ خَطاياهُ وَيُعالِجَ تَقصِيرَه على ضَوءِ تَعالِيمِ الإنجيلِ وَإرشاداتِ الواعظ.