اختيار الشّريك

هذا الموضوعُ يَهُمُّ كُلَّ شابٍّ مسيحيّ وَكُلَّ شابَّةٍ مسيحيّة. ولعلَّ هذا العنوانَ يَحملُ في طيّاتِهِ أسئلةً عِدّة: ما هُوَ الزّواجُ بالنّسبةِ إلَيّ؟ وَما علاقتُهُ بمعتقداتي الدّينيّة؟ وكيف أختارُ شريكَ حَياتي؟ وكيفَ أعرِفُ مشيئةَ اللهِ في اختياري، لا بَل في الزَّواجِ بِحدِّ ذاتِه؟
مشيئة الله:
قَبلَ أن أُقْدِمَ على أَيِّ عَمَلٍ مِنَ الأعمال، عَلَيَّ أن أَتَلَمَّسَ مشيئةَ الله؛ فإذا عَرَفتُها سِرتُ مطمَئِنًّا في الطّريقِ الصّحيح. فماذا يُرِيدُ اللهُ مِنّي؟
- اللهُ يُرِيدُ مِنِّي أن أَقُومَ بالأعمالِ الصّالحة: "مشيئةُ اللهِ هِيَ أن تُسكِتُوا، بأعمالِكُمُ الصّالحةِ، جَهالَةَ الأغبياء" (1بط 15:2). وَبِحَسَبِ هذا الكلام، على المسيحيِّ أن يجتهدَ في القيامِ بالأعمالِ الصّالحة، أي أن يَبنِيَ كُلَّ سُلُوكِهِ في هذه الحياةِ على هذا الأمر، لأنّه بهذه الطّريقةِ يُحَقِّقُ تَسمِيتَهُ (مسيحيّ) مِن جهة، وَلأنّه يُظهِرُ إيمانَهُ لا بالكلامِ، بَل مِن خلالِ التّطبيق.
- اللهُ يُرِيدُ مِنِّي أَن أسعى إلى القَداسة. وَفي رأسِ قائمةِ الأشياءِ المطلوبةِ منِّي في طريقِ القداسة، الامتناعُ عَنِ الزِّنى: "وَهَلْ مشيئةُ اللهِ إلاّ قَداسَتُكُم، فَتَمتَنِعُوا عَنِ الزِّنى، وَيَعرِفُ كُلُّ واحدٍ مِنكُم كيفَ يَصُونُ إناءَهُ في القداسةِ والكرامة، فلا تَستَولي عليهِ الشَّهوةُ كالوَثَنِيِّينَ الّذينَ لا يَعرِفُونَ الله" (1تس 3:4 -4).
- اللهُ يُرِيدُ مِنِّي ألاّ أَرتَبِطَ بِغَيرِ المُؤمن: "لا تَقتَرِنُوا بِغَيرِ المُؤمنينَ في نِيرٍ واحد. أَيّةُ صِلَةٍ بينَ الخيرِ والشّرّ؟ وأيَّةُ علاقةٍ لِلنُّورِ بالظَّلام؟ وأَيُّ تَحالُفٍ بَينَ المسيحِ وإبليس؟ وأيَّةُ شَرِكَةٍ بينَ المؤمنِ وغَيرِ المؤمن؟وأيُّ وِفاقٍ بينَ هيكلِ اللهِ والأوثان؟..." (2كور 14:6 –16).
- الزَّواجُ مشروعٌ ابتَكَرَهُ الله: "وَقالَ الرَّبُّ الإله: لا يَحْسُنُ أن يكونَ آدمُ وحدَهُ، فَأَصنَعُ لَهُ مَثِيلاً يُعِينُهُ" (تك 18:2).
النّصيب:
كثيرًا ما نَسمَعُ النّاسَ يَقُولُونَ إنَّ الزَّواجَ قِسمَةٌ ونَصيب. هذا مفهومٌ تَسَرَّبَ إلى شعبِنا مِن دياناتٍ أُخرى، وَهُوَ غيرُ مَوجُودٍ في المسيحيّة. فالمسيحيّةُ لا تُؤمنُ بالقضاءِ والقَدَر، بَل تُؤمِنُ بأنَّ الإنسانَ هُوَ الّذي يتَّخِذُ القَرارات؛ كما تُؤمِنُ بأنَّ الرَّبَّ هُوَ نَصيبُ المؤمن (مز 5:15). وأَوَّلُ قَرارٍ يَجِبُ أن يَتَّخِذَهُ المؤمنُ في حَياتِهِ معَ الله هُوَ قَرارُ التَّوبة، وَبَعدَهُ يَأتي قَرارُ الزَّواج. فما هِيَ الشُّروطُ لاِختِيارِ شَرِيكِ الحياة؟
 
شُروطُ اختِيارِ الشَّريك:
الشَّرطُ الأوّلُ الّذي يجبُ أن يتوفَّرَ في الّذي أَختارُهُ شريكًا لِحَياتِي هُوَ ارتباطُهُ بالرّبّ.. أن تكونَ لَهُ علاقةٌ وَثيقةٌ بالرَّبِّ وَبِكنيستِه، وأن يكونَ واعِيًا لِدَورِ الرَّبِّ في حياتِنا الزّوجِيّة. فأنا أَعتبرُ الرَّبَّ نَصيبًا لِي.. أنا في علاقةٍ شَرِكَةٍ مَعَهُ، وَلا يُمكِنُني أن أَدخُلَ في شَرِكَةٍ مَعَ أَحَدٍ إلاّ مَعَه، وَفِيهِ، وَمِن خِلالِه.
والشَّرطُ الثّاني شخصيّةُ الشّريك، الّتي يَجِبُ أن تكونَ منسجمةً معَ شخصيّتي.. تنسجمُ معي في فَهمي للحياة، وفي انطباعاتي واتّجاهاتي ومُيُولِي وأهدافي. فلا يَصُحُّ، مثلاً، أن أكونَ مُحِبًّا للكنيسةِ وطُقُوسِها، فِيما يَمِيلُ شَريكي إلى الملاهي ودُورِ السّينما.. ولا يَصُحُّ أن أكونَ مؤمنًا بالبساطةِ في المَلبَسِ والزّينة، فِيما يُسرِفُ هُوَ فيهِما.. وإلاّ عَرَّضَتْنا هذه الاختلافاتُ إلى التَّباعُدِ والتَّصادُم.
والشَّرطُ الثّالثُ هُوَ التَّقارُبُ الثَّقافِيُّ وَالاِجتماعِيّ.
والشَّرطُ الرّابع هُوَ التّقارُبُ في السِّنِّ، حيثُ من المُفضّل أن تكونَ المرأةُ أصغرَ من الرَّجُل، ولكنْ ليسَ بِفارِقٍ كبير.
نصائح متفرّقة:
من الضّروريّ جِدًّا أن يَكُونَ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَينِ صَريحًا معَ الآخَر، فلا تمثيل، ولا إخفاءَ لِحقائقَ أساسيّة لها تأثيرٌ على الحياةِ بعد الزّواج، وَلا تَزيِيفَ لِحقائق...
وإتاحةُ فُرَصٍ كافِيَةٍ لِلتَّعارُف؛
والاِستعدادُ الكامِلُ لِقَبُولِ الآخَر كما هُوَ، والتَّكَيُّفِ مَعَه. وهذا يتطَلَّبُ استعدادًا للتَّازُلِ عَن بعضِ الأشياءِ الّتي تُرضِيني لِمَصلَحةِ العلاقة؛
تحكيمُ العقل وعدم الاِنجرافِ وَراءَ العاطفة، لأنَّ العاطفةَ غيرَ المتعَقِّلة تُوهِمُ الخطيبَين بِعَدَمِ وُجُودِ أَيَّةِ اختِلافات، حتّى إذا تَمَّ الزَّواج، زالَ الوَهمُ، وَبانَتِ الاختلافاتُ على حقيقتِها. وهذا ما يُهَدِّدُ سلامةَ الزّواجِ أو استمراريَّتَه.
ختامًا:
إنّ اختيارَ شَريكِ الحياةِ ليس إلاّ بِدايةً لِمرحلةٍ طويلةٍ مِن الاكتشافِ المستمرّ لشخصية الآخَر، والتَّكَيُّفِ الدّائمِ معَ طِباعِه. فإذا اعتبرنا أنّ الاِختيارَ نقطةٌ على خَطِّ الحياةِ الزَّوجيّة، فإنّ عمليّةَ الاِكتشافِ المستمرِّ لِشَريكِ الحياةِ هِيَ خَطُّ الحياةِ الزَّوجيّةِ كُلِّها، وبِدُونِها لا يتحقّقُ نجاحُ الحياةِ العائليّة.