التّطويبات
- نَجدُ في الأصحاحاتِ (5و6و7) من إنجيل متّى مجموعةً مِن أهَمِّ تعاليم السَّيِّد المسيح، تُسَمّى "العِظَة على الجَبَل"، فيها المبادئ الأساسيّةُ التي تُبنى عليها الحياةُ المسيحيّة. هذه المبادئ هي المبادئ الكُبرى للبشريّة بعد نُضُوجِها.
- تَبتدئُ هذه العِظَةُ بِما نُسَمِّيهِ "التَّطويبات"، وهي موضوعُ حديثِنا هذا. والتَّطويباتُ تِسْعُ جُمَلٍ، تبدأ كُلٌّ منها بِكلمة "طوبى". وهذه الكلمة تعني، في القواميس العربيّة، "الجَنَّة"؛ وفي الكتابِ المقدَّس "الغِبطة"، أي السَّعادةُ الّتي يَمنحُها اللهُ للمؤمن.
- لقد خاطَبَ الربُّ يَسُوعُ تلاميذَهُ بهذه التطويبات، إلّا أنّها موجَّهةٌ إلى جميعِ الناس، في كُلِّ زَمانٍ وَمَكان.
1- طُوبى لِلمَساكِينِ بِالرُّوح، فَإِنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّموات
- كَلِمَةُ "المَساكِين" تعني الفُقَراء. والمساكينُ بالرُّوحُ هُمُ الأتقياءُ المتواضعون. عنهم يقولُ الربُّ في سِفرِ إشَعيا: "وإلى هذا أَنظُرُ إلى المِسكينِ والمُنسَحقِ الرُّوحِ والمُرتَعدِ مِن كَلامي" (إش 2:66).
- والمَسكَنَةُ المقصودةُ هِيَ الطَّوعيّة لا الإجباريّة.
- والرَّبُّ يُحِبُّ المُتَواضِعين: "القَلبُ المتخشِّعُ والمُتَواضِعُ لا يَرذُلُهُ الله" (مز 16:50). ويعتبرُهم الأقرَبَ إلى نموذَجِه: "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ." (مت 29:11).
- الكبرياءُ هيَ مصيبةُ الإنسانِ الكُبرى، هي سَبَبُ سُقُوطِهِ وطَردِهِ مِنَ الفردوس. لِذلكَ وَضعَ الرَّبُّ التَّواضُعَ كَعِلاجٍ لِمُشكِلَةِ الإنسان، وجعلَهُ الأساسَ الّذي تُبنى عليه سائرُ الفضائل. وفي مَثَلِ الفرّيسيّ والعشّارِ علَّمَنا أنَّ كبرياءَ الفرّيسيّ أفسَدَتْ صلاتَهُ وَصَومَهُ وصَدَقَتَه، فيما كانَ تَواضُعُ العَشّارِ سببًا في غفرانِ خطاياه، وبَدءًا لِحياةٍ جديدةٍ صالحة.
- هؤلاءِ "المساكينُ بالرُّوح" لَهُمْ مَلَكُوتُ السّموات. هؤلاءِ الّذين يُجاهِدُونَ في هذه الحياةِ، وَيَعْبُرُونَها غَيرَ مُتَعَلِّقِينَ بشيءٍ فيها، وغَيرَ تارِكِينَ مِن أشيائِها شيئًا عالِقًا بأهدابِ نُفُوسِهِم، سَيَصِلُونَ بِخِفَّةٍ إلى مَلَكُوتِ السَّموات. هُمْ مُنذُ الآنَ مُواطِنُونَ هُناك، لأنَّهم هَيَّأُوا أَنْفُسَهُم بالطَّريقةِ المُناسِبة.
- للمتكبِّرِينَ ملكوتُ الأرض، وللمتواضعينَ ملكوتُ السّماء.
2- طُوبى لِلحَزانى، فَإِنَّهُمْ يُعَزَّون
- لا يُطَوِّبُ الرَّبُّ الحُزنَ بِحَدِّ ذاتِه، بَل لِما يُفَجّرُهُ فينا مِن طاقةٍ للسَّعيِ نحو الأفضل. ولا يتوقَّفُ عندَ تطويبِ الحَزانى، بل يَعِدُهُم بِتَعزِيَةٍ أبديّة، أي بِغِبطةٍ سماويّةٍ دائمة.
- لا يقصدُ الرَّبُّ الحُزنَ الناتجَ عن فَشَلٍ أو خَسارةٍ أو فَقدِ حبيب، بَلِ الحُزنَ الناتجَ عن الفَشَلِ في إصلاحِ الذات وتقويمِ السِّيرة.. الحُزنَ الناتجَ عن خَسارةِ الشَّوقِ إلى الحياةِ مع الله.. الحُزنَ الناتجَ عن فَقْدِ الفضائل: "لأنَّ الحُزنَ الّذي بحسب مشيئة الله يُنشئُ توبةً لخلاصٍ بلا ندامة. وأمّا حزنُ العالَمِ فيُنشئُ موتًا" (1كو 10:7). إنّه "حُزْنَ التَّوبة".. الحُزنُ بسببِ الخطيئة. "دُمُوعًا أَعْطِني يا الله، كَما أَعْطَيتَ قديمًا المرأةَ الخاطئة" (صلاةُ النّومِ الكُبرى)
- إذا حَصَرْنا اهتِمامَنا بِأَحزانِنا المَعِيشِيَّة، صارِفِينَ كُلَّ جُهُودِنا نحوَ إيجادِ تَعزياتٍ لها، فَلَنْ يَبقى لَدَينا مُتَّسَعٌ مِنَ الوقتِ للتّفكيرِ بأحزانِنا الرُّوحيّة، الّتي إذا اهتَمَمْنا بها، سَبَّبَتْ لَنا تَعزيةً رُوحيّةً تَفُوقُ كُلَّ تعزياتِ البَشَر.
3- طُوبى لِلوُدَعاءِ، فَإِنَّهُمْ يَرِثُونَ الأرض
- "الوُدَعاءُ" هُمُ الَّذِينَ لا يَغْضَبُونَ إذا أُهِينُوا، لا يَثُورُونَ لِكَرامَتِهِم.
- لقد قارَنّا في التَّطويبةِ الأُولى بينَ فُقَراءِ المادَّةِ وَفُقَراءِ الرُّوح، وفي التَّطويبةِ الثّانيةِ بين حُزْنِ المَعيشةِ وَحُزنِ التَّوبة، وَهُنا نُقارِنُ بينَ التَّشَبُّثِ بالكَرامة والتَّحَرُّرِ منها. لِماذا يُغِيظُني كَلامُ الآخَر؟ لأنَّني أَشعرُ بأَنَّهُ يَسْلُبُني شيئًا. فإذا لم يَكُنْ عندي ما أَخْسَرُهُ، فَلماذا أَغتاظ؟
- لا يقصدُ الربُّ غيابَ شهوةِ الغضب مِن أساسِها، بل يقصدُ ضبطَ النَّفْس. يطوِّبُ الَّذِينَ لا يَنقادُونَ لِغَرائزِهِم، بل يُخضِعُونَها لِلعقلِ الواعي كما بِلِجام.
- الوداعةُ تَنجُمُ عن التَّواضع. فإذا أغلَقنا البابَ دُونَ الكبرياء، لا يعودُ الغضبُ يجدُ سبيلًا للدّخول.
4- طُوبى لِلجِياعِ والعِطاشِ إلى البِرّ، فَإِنَّهُمْ يُشْبَعُون
- الجُوعُ هُوَ الشُّعُورُ بالحاجَةِ إلى الطَّعام، والعَطَشُ هُوَ الشُّعُورَ بالحاجَةِ إلى الماء. المطلوبُ هُوَ الشُّعُورُ بِأَنَّ الطَّعامَ والماءَ لا يَكفيان، وَلَيسا غايةَ المطلوب، بل هُناكَ شيءٌ يُغَذِّي أكثرَ وَيُشْبِعُ وَيُرْوِي، أَلا وَهْوَ البِرّ. فَما هُوَ البِرّ؟ البِرُّ، أَوِ الإحسانُ، هُوَ عَمَلُ الخَير، أَيِ البَذْلُ في سَبيلِ الآخَرين، لا سِيَّما المُحتاجين.
- الأكلُ والشُّرْبُ حَرَكَتُهُما "إلى" الأنا، وَالبِرُّ حَرَكَتُهُ "مِنَ" الأنا. الحَرَكَةُ الأُولى "أَخْذٌ" والثّانيةٌ "عَطاء".
- إِنَّنا، عندما نُلَبِّي حاجَتَنا إلى الطَّعامِ والشَّراب، لا نَشعرُ بالاكتِفاء، بل سُرعانَ ما نشعرُ بالحاجةِ أشدَّ وَأَقوى. وفي غالِبِ الأحيان، نشعرُ بالجوعِ ولا يكونُ جسمُنا بحاجةٍ إلى طَعام. وعندما نجلسُ إلى المائدة، ونرى الأصنافَ العديدةَ، يُراوِدُنا شُعُورٌ بأنَّنا نستطيعُ أن نلتهمَ كُلَّ ما أمامَنا، والواقعُ أنَّ المَعِدةَ صغيرةٌ لا تَتَّسِعُ إلاّ لِكَمِّيَّةٍ قَليلةٍ فقط.
- مُشكِلَتُنا أنَّنا لا نكتفي عادةً بَسَدِّ جُوعِنا، بل تُسيطرُ علينا الشَّراهة. وبِهذا المعنى نحنُ لا نَشْبَعُ. والَّذِينَ يَتَلَهَّفُونَ على ما في هذه الدُّنيا مِنَ الطَّيِّباتِ لَن يَشْبَعُوا أَبَدًا، أمّا الَّذِينَ يَجُوعُونَ وَيَعطَشُونَ إلى البِرّ، وَتَظْهَرُ لَهْفَتُهُمْ إلى البِرّ عن طريقِ أعمالِهِم الصّالحة، فهؤلاءِ سيكونُ بِرُّهُمْ زادًا يَكْفَلُ لهم الشِّبَعَ والارتِواءَ الأَبَدِيَّين. فالطَّعامُ والشَّرابُ فانِيانِ، بائِدان، وأمّا أعمالُ البِرِّ فَمَحفوظَةٌ في سِجِلاّتِ اللهِ الخالدة. "بَدَّدَ، وأعطى المَساكين، فَبِرُّهُ يَدُومُ إلى الأَبد" (مز9:111)
5- طُوبى لِلرُّحَماء، فَإِنَّهُمْ يُرْحَمُون
- "الرَّحمةُ" مِن صِفاتِ رَبِّنا يَسُوعَ المسيح. فهوَ "الكَثيرُ الرَّحمة" و "الجَزيلُ التَّحَنُّن"، الّذي رَقَّ قَلبُهُ لِمُعاناةِ البَشَر، فتَحَنَّنَ عليهم وأبرأَ مَرضاهم، وانتهَرَ الأرواحَ الشِّرِّيرةَ الّتي كانت تُشْقِيهِم. نحن مَدْعُوُّونَ إلى أن نَمتلكَ الشُّعُورَ بالرَّحمةِ إزاءَ كُلِّ مريضٍ وَمُتَأَلِّمٍ وَمُعَذَّبٍ وَسَجِينٍ وَمُتَشَرِّد.
- واللافِتُ في رحمةِ رَبِّنا أَنَّهُ لم يَحْجُبْها عَن الخطأة، الأمرُ غَيرُ المألوفِ وغيرُ المُستَساغِ في مَنطقِ البشر. فالمُذنِبُ يُعاقَبُ، عِندَهُمْ، وَيُنْبَذُ، وَيُحْقَدُ عليه. أمّا مَوقفُ يسوعَ مِنَ المُذْنِبِينَ فقد جَسَّدَهُ في مَثَلِ الابنِ الشّاطر، حيثُ أَرانا صُورةَ الآبِ السَّماوِيّ كأَبٍ مُتَحَنِّنٍ، يتألَّمُ لِخطايا وَلَدِه، وَيَنتظرُ توبَتَهُ بفارِغِ الصَّبر، لِيُعِيدَ لهُ مَجدَهُ الّذي أَفْقَدَتْهُ إيّاهُ الخطيئة. ورأَينا مَوقفَهُ مِنَ الزّانيةِ الّتي لم يَسْمَحْ للنّاسِ بِرَجْمِها، بل أنقَذَها، وطَلَبَ منها ألاّ تَعودَ إلى الخطيئة. فالمطلوبُ مِنّا، لا أن نَرحَمَ المُعَذَّبِينَ وَحَسْبُ، بلِ الخطأةَ أيضًا، وهذا ما لا نفعلُهُ عادةً، لا سِيَّما مع الَّذِينُ يُسِيئُونَ إلينا.
- لذلك، رَوى لَنا رَبُّنا مَثَل العبدِ العديم الشَّفَقة، الّذي تَرَكَ لَهُ سَيِّدُهُ دَيْنَهُ الكبير، فَبَدَلاً مِن أن يَترُكَ لِزَميلِهِ دَينَهُ الصَّغير، راحَ يُهَدِّدُهُ وَيَخْنُقُه.
- هؤلاءِ الرُّحَماءُ سوفَ ينالونَ الرّحمةَ مِنَ الله. هذا لا يعني أنّهم سينالُون بمقدارِ ما أعطَوا، بل أعظمَ بكثير، لأنّهم يَرحَمُونَ كبَشَرٍ، واللهُ يَرحَمُهم كإله.
6- طُوبى لأنقِياءِ القُلُوب، فَإِنَّهُم يُعايِنُونَ الله
- هذه المكافأة تفوقُ سابقاتها بما لا يُقاس، "معاينة الله". نقاوةُ القلبِ يُعطيها الربُّ أهميّةً كبرى إذًا.
- النَّقِيُّ القَلبِ هُوَ الذي يستأصِلُ الخطيئةَ مِن جُذُورِها، ولا يكتفي فقط بالامتناعِ عن ارتكابِ الخطايا. كان العهدُ القديمُ يضعُ عقوباتٍ على مَن يُخالِفُ الوصايا بأعمالِه الظاهرة؛ ولكنّ الربَّ يسوعَ المسيحَ علَّمَنا ألاّ نَقِفَ عندَ هذا الحدّ مِن طاعةِ وصايا الله، بل أن نستاصلَ الشرَّ مِن جُذُورِه، وأن نُنَقِّيَّ قُلُوبَنا منه. "قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يا ألله، وَرُوحًا مُستقيمًا جَدِّدْ في أحشائي" (مز10:50)
- لا عجبَ أنَّ الربَّ اختصَّ هذه التطويبةَ بمكافأةِ معاينةِ الله، لأنّ الله يُعايَنُ بأعيُنِ القَلبِ لا بِأَعيُنِ الجسد.
7- طُوبى لِصانِعِي السَّلام، فَإِنَّهُم أبناءَ اللهِ يُدْعَون
السَّلامُ "يُصْنَعُ". نَحنُ نَصْنَعُه. وَلِكَي تَصْنَعَ شَيئًا، عليكَ أن تُرِيدَهُ أوَّلاً، وَتَشعُرَ بأهَمِّيَّتِه، ثُمَّ أن تُخَطِّطَ لَهُ، ثُمَّ أن تَتْعَبَ في سَبِيلِ تنفيذِه. فَلِكَي تكونَ صانِعَ سَلامٍ، كَما يُرِيدُ المسيحُ، عليكَ أن تُوَجِّهَ تفكيرَكَ أَوَّلاً نحوَ السَّلام، مُقْتَنِعًا بأنَّ رسالتَكَ في المجتمعِ هِيَ تهدئةُ النُّفُوسِ لا إثارَتُها، وَمُصالَحَةُ النّاسِ لا إيقاعُ الخِلافاتِ بينَهُم، وأن تُعامِلَ الآخَرين بِتَسامُحٍ لا بِنُفُور.
عندما خَلَقَ اللهُ الإنسان، كان هذا الأخيرُ يعيشُ في سَلامٍ مَعَ نفسِهِ، ومَعَ زَوجِهِ، وَمَعَ الطّبيعة. وبعدَ أن وقعَ في الخطيئة فقدَ السَّلامَ بكُلِّ أشكالِه. وَلَمّا وُلِدَ فادينا، رَنَّمَتِ الملائكةُ نَشيدَها الشَّهيرَ مُبَشِّرَةً النّاسَ بِعَودةِ السَّلامِ المفقود. هذا يعني أنّ اللهَ يُريدُ السَّلام، وأنَّنا نحنُ نَرفُضُهُ بِخطايانا الّتي تُفسِدُ عَمَلَ الله.
فَمتى عُدْنا إلى رُشْدِنا، وجاهَدْنا ضِدَّ أهوائنا، مُتَسَلِّحِينَ بالصَّومِ والصَّلاة، نكتسبُ السَّلامَ الدّاخِلِيَّ، الّذي ينعكسُ سَلامًا معَ الآخَرِين. وَكُلَّما حَقَّقْنا السَّلامَ وتقدَّمْنا فيه، أَدْرَكْنا بُنُوَّتَنا للّهِ أكثرَ فأكثر. "سَلامًا أَسْتَودِعُكُمْ، سَلامِي أُعْطِيكُم" (يو 28:14)
8- طُوبى لِلمُضْطَهَدِينَ مِن أجلِ البِرّ، فَإِنَّ لَهُمْ مَلَكُوتَ السَّموات
9- طُوبى لَكُم إذا اضطَهَدُوكُم، وَعَيَّرُوكُم، وَقالُوا عَلَيكُم كُلَّ كَلِمَةِ سُوءٍ مِنْ أجلي كاذِبِين. إِفرَحُوا، وَابْتَهِجُوا، فَإِنَّ أَجْرَكُمْ عَظيمٌ في السَّموات. لأنَّهُمْ هكذا اضطَهَدُوا الأنبياءَ مِن قَبْلِكُم.
- إِنَّ العيشَ وَفْقَ مُخَطَّطِ اللهِ لا يَنسجِمُ مَعَ رُوحِ العالَم، لأنَّ هذا الأخير يهتمُّ بالمادِّيّات، وَيُغْرِي الإنسانَ لِيَتَهالَكَ عليها، مُقْنِعًا ايّاهُ بأهمِّيَّتِها وَضَرُورَتِها. كُلُّ هذا يَقُودُ إلى الأنانيةِ والأَثَرَة. وهذا هُوَ الوَضْعُ السّائدُ في المجتمعِ الإنسانيّ. فَمَنْ يَنسجمُ معَهُ لا يُضْطَهَدُ، وأمّا مَنْ يُحاوِلُ أن يَسْلُكَ كَما يُرِيدُ الرَّبُّ، أي في سَبيلِ البِرِّ، فإنّهُ يُضطَهَدُ، وَيُنْبَذُ كَجِسْمٍ غَريبٍ عن المجتمع، لأنَّهُ يتصرَّفُ بشكلٍ يُخالِفُ منطقَ المجتمع.
- إذا كنتَ صالحًا يضطهِدُكَ النّاسُ، لأنَّهُمْ يُريدُونَ أن يكونَ الجميعُ مُخالِفِينَ لئلاّ تنفَضِحَ مَساوِئُهُمْ. إلاّ أنّ المِحَكَّ هُوَ كَلامُ الإنجيلِ لا كَلامُ النّاس. وَأمّا الاضطِهادُ فنحتَمِلُهُ لأنَّ مُعَلَّمَنا تَحَمَّلَهُ قَبْلَنا، ولَسنا أفضلَ منه.
- لا يُطَوِّبُ الرَّبُّ هُنا المضطهَدِينَ بالمُطلَق، بل يَضَعُ شَرطَين: 1) أن يكون الاضطهادُ مِن أجلِ الرّبّ. 2) أن تَكونَ الاِفتراءاتُ كاذِبة.