أنا وكنيستي
كثيرًا ما نسمعُ في مَحاضرِنا انتقاداتٍ موجَّهةٍ إلى "الكنيسة"، وأدائها، ورجالاتِها... انتقاداتٍ لا تَخلو من سُخريةٍ حينًا وتَهَجُّمٍ أحيانًا، وتحملُ في طَيّاتِها شُعُورًا بالدُّونيّةِ وانعدامِ الثّقة.
نعم.. الكنيسةُ، إداريًّا، هِيَ في هذا العالَمِ وَمِنه. وهيَ معرَّضَةٌ، تالِيًا، لِكُلِّ ضعفٍ أو ركاكةٍ أو سُوءِ أداء. إلاّ أنّها أيضًا قابِلَةٌ للإصلاحِ والتّطويرِ والتّحسين، كأَيَّةِ مُؤسّسَةٍ في هذا العالَم. ولكنَّ ما يجبُ ألاّ يَغيبَ عنِ البالِ هُوَ أنَّ الكنيسةَ هيَ، في الوقتِ نفسِه، من خارجِ هذا العالَم؛ وأنّني أنا عُضوٌ فيها، لذلكَ أنا أنتمي إلى مملكةٍ ليست من هذا العالَم. هذا هو البُعدُ الحقيقيُّ للكنيسة. هذا هو جوهرُها. أمّا الوجهُ العالَمِيُّ (الدُّنيَوِيّ) فسطحيٌّ وعابِر.
ثُمَّ.. لماذا أتكلَّمُ على أخطاءِ الكنيسةِ وكأنّني غيرُ مسؤولٍ، ولو جزئيًّا، عن هذه الأخطاء أو عن بعضِها؟ دائمًا أُلقي اللّومَ على المطران أو على الكاهن، وكأنّهما آتيانِ من كَوكبٍ آخَر، أو كأنْ لا علاقةَ لي بهما. وفي هذا شَطَطٌ كبير؛ لأنّ موقفي هذا نابعٌ مِن طَلاقٍ بيني وبينَ كنيستي. فبدلاً من أن أسألَ مثلاً: "ماذا فعلتِ الكنيسةُ لمواجهةِ البِدَع؟"، فلأسأَلْ بالأحرى: "ماذا فعلتُ أنا؟". وبدلاً من أن أَحدِجَ كاهني أو مطراني بِنَظَراتٍ ليسَ فيها من البُنُوَّةِ أَثَر، ولا مِنَ التّعاطُفِ، وَلا مِنَ الأُلفة، مُنتظِرًا ايّاهُ لكي يُقَصِّرَ في واجبٍ ما، لكي أُبَرِّرَ لِنفسي ما أنا عليهِ مِن جُحُودٍ وعدمِ التزام، فلأُشَمِّرْ عَن ساعِدَيِ الهِمَّةِ قائلاً: لَبَّيكِ يا كنيستي.. لَبَّيكَ يا أَبي الكاهن.. لَبَّيكَ يا أبي وسيّدي المطران. أنا سأستخدمُ كُلَّ طاقاتي، وَكُلَّ ما أُوتِيتُ مِن حِكمةٍ وذكاء، لكي أجدَ الحُلُولَ للمشاكلِ الّتي تُواجهُها كنيستي. سأتضامَنُ مَعَ سائرِ إخوتي، أبناء هذه الكنيسة، لِنُوَحِّدَ جُهُودَنا في سبيلِ النُّهُوضِ بهذه الكنيسةِ الحبيبةِ إلى قلبِ الله.
المطلوبُ أنْ أتبنّى أُمُورَ كنيستي، وأن أعتبرَها أُمُورِي أنا، وألاّ أتهرَّبَ مِن تحمُّلِ مسؤوليَّتِها. فمَن قالَ إنّ الكاهنَ هُوَ المسؤولُ وحدَهُ عَنِ احتياجاتِ الفقراء؟ قد لا يَعرفُ الكاهنُ كُلَّ المحتاجينَ في رعيَّتِه، أو قد لا يتمكّنُ مِن سَدِّ احتياجاتِ الجميع. فَلِمَ لا أُسِرُّ إليهِ بأسماءِ عائلاتٍ محتاجةٍ، وأزوِّدُه بِما أعرفُ عنها مِن تفاصيل لكي أُسَهِّلَ له أَمرَ رعايتِها! وَلِمَ لا أُزَوِّدُهُ ببعضِ المساعداتِ لكي أُساهمَ معَهُ في خِدمةِ إِخوَةِ المسيحِ الصِّغار! أَلَيسَ في هذه العَملِ بَركةٌ لي ولعائلتي؟
وَمَن قالَ إنَّ الكاهنَ هو المسؤولُ وحدَهُ عَن مطارَدةِ ذَوِي البِدَع؟ لِمَ لا أَنكَبُّ أنا وأترابي على مطالعةِ الكتابِ المقدَّسِ، وسائرِ الكُتُبِ النّفيسةِ الّتي تُنِيرُ أذهانَنا، وتُعَلِّمُنا الحقائقَ كما يَجب، فنكونُ سَدًّا منيعًا في وجهِ الهراطقة، وَسُورًا لكنيستِنا يحميها مِن هَجَماتِ أعداءِ المسيح؟ لِمَ لا؟
لا نَكُونَنَّ مُتَطَلِّبِينَ، مُتَذَمِّرِينَ، اتّكالِيِّينَ فِيما بَعدُ... بَل فَلْنتعَلَّمْ أن نَكُونَ أبطالاً، عارِفِينَ مَعنى بُنُوَّتِنا، وَمُمتلكِينَ عُيُونًا نَيِّرَةً، ومستبدِلِينَ بِالتّذَمُّرِ الالتزامَ، وَبالسُّخريةِ التَّبَنِّيَ، وَبِالاتّكالِيَّةِ العَمَلَ بِهِمَّةٍ وَنَشاط.
هكذا نَكُونُ أبناءً مُخلِصِينَ للكنيسة، وتَفرحُ بِنا الملائكةُ، وَيَرتَضي رَبُّ المجد. آمين.